لماذا تعـد زيارة ترمب استثنائية؟

ليست المرة الأولى التي تستقبل فيها الرياض رئيساً أميركياً، ولكنها المرة الأولى التي تتضمن مثل هذا الثقل السياسي والتنوع الاقتصادي.. أول زيارة يقوم بها الرئيس ترمب للخارج ويختار فيها السعودية (قبل إسرائيل والفاتيكان) اعترافاً بمكانتها العالمية ودورها المعنوي في العالمين العربي والإسلامي.. تأتي في نظري كثاني أهم زيارة يقوم بها رئيس أميركي للسعودية (بعد زيارة الرئيس بوش الأب عام 1990 للتباحث مع الملك فهد بخصوص الاجتياح العراقي للكويت)..

لا يمكن وصفها بالزيارة العادية كونها "قـمة" تأتي بوزن أميركا والسعودية والعالمين العربي والإسلامي.. قمة تفاهم استراتيجي وحضاري وتعاون دولي ضد الإرهاب والعنف والتطرف.. قمة تؤكد أن السعودية ليست دولة عادية، بـل حجر زاوية في عالم السياسة والاقتصاد والتوازنات العالمية..

وفي المقابل هناك الجانب الأميركي الذي لا تخفى أهميته وثقله الاقتصادي والعسكري في العالم.. فأميركا القوة العظمى الأبرز عسكريا وسياسيا، ومسؤولة عن 23% من الإنتاج العالمي، ويعود لها الفضل في وجود العديد من الدول (بدليل الحروب التي خاضتها في أوروبا واليابان وكوريا والخليج العربي)..

ورغم أنها حاليا القطب الأوحد في العالم؛ تدرك أميركا أهمية شراكتها السياسية والاقتصادية مع السعودية.. فالسعودية مخزن الطاقة في العالم، وأكبر شريك اقتصادي في المنطقة، وتعمل فيها أكثر من 500 شركة أميركية تستثمر فوق أراضيها 105 مليارات دولار.. تدرك مكانة السعودية في قلوب العرب والمسلمين - ناهيك عن مكانتها الجغرافية ووجودها في منطقة تمر فيها معظم تجارة العالم وإمداداته النفطية (في البحر الأحمر والخليج العربي).. تعرف أن علاقتها الجيدة مع السعودية ستنسحب تلقائيا على علاقتها الجيدة مع العالمين العربي والإسلامي وأن أي تسوية شرق أوسطية يصعب أن تعقد دون موافقة أو تعاون الرياض..

ورغم مكانة السعودية (واختيار الرئيس ترمب لها كأول دولة يزورها في الخارج) تصرفت القيادات العليا في السعودية من مبدأ الأخوة العربية والشراكة الإسلامية وجعلوا من اجتماع الرياض "قمة" يشترك فيها الجميع..

وما يزيد من استثنائية هذه الزيارة أن الرئيس ترمب يملك خلفية اقتصادية (وبراغماتية) تدرك جيدا أين تكمن مصالح أميركا. يدرك جيدا (وهو رجل الأعمال الناجح) أن ما من دولة في الشرق الأوسط تملك استقرارا سياسيا وفرصا استثمارية كالسعودية.. يعـلم أن عالم الواقع يختلف عن عالم الانتخابات، وأن احتياطيات السعودية وحجم استثماراتها (ناهيك عن علاقتها التي لم تنقطع يوما مع واشنطن) لا يمكن لأي رئيس التأثير عليها خلال فترة ولايته القصيرة.. يشعر حتما بالارتياح للنهج المتزن الذي تتبناه السياسة السعودية ومهارة قادتها في الحفاظ على شعرة معاوية مع كافة الدول - حتى في أحلك الظروف السياسية.. ليس جاهلا بعدم رضا السعودية عن سياسة الرئيس السابق أوباما في المنطقة (خصوصا فيما يتعلق بالأزمة السورية والاتفاق النووي مع إيران) وأنها تراهن على مرور الوقت للتعاون معه وإثبات صحة نظرها في أزمات المنطقة..

.. أنا شخصيا على ثقة بأن قمم الرياض الثلاث لن تؤسس فقط لشراكات استراتيجية واقتصادية كبيرة، بـل وعلاقات نوعية جديدة بين الشرق والغرب كادت تصل مؤخرا لمرحلة الشقاق والمواجهة.

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض