الفساد

علينا دائماً أن نتذكر أننا نعيش ثقافتين بينهما اختلافات جوهرية. ثقافة محلية تقليدية موروثة وثقافة مستوردة من العصر الحديث. تتداخل هاتان الثقافتان في صور كثيرة وفي أحيان كثيرة تكون في حالة تصادم مريع.

العلاقات الاجتماعية بين الناس في الثقافة المحلية تتناقض مع العمليات الإدارية المستوردة التي تقوم عليها مصالحنا.

بعيداً عن الفلسفة دعوني أوضح الفكرة بمثال بسيط.

قريبك (أبو مشاري) يعمل مديراً في الجوازات. بعثت له بجوازك مع السواق تطلب منه سرعة تجديد الجواز. بعد ساعتين عاد السائق بالجواز الجديد.

هل نصف هذا العمل الذي قام به حبيبنا أبو مشاري (فساد). ما الذي حل بجوازات الآخرين الذين ليس لهم أبو مشاري في الجوازات؟ لماذا ينتظرون أربع وعشرين ساعة. بأي حق قدم أبو مشاري جوازك على جوازات الآخرين. في نظري هذا فساد وفي نفس الوقت لا يوجد فساد؟! لأن السؤال المهم في هذه العملية: هل كان في استطاعة أبو مشاري أن يرفض طلبك هذا ويطلب منك التقيد بالنظام.

أبو مشاري لا يتحرك في الحياة بوصفه مديراً في الجوازات ولكن بوصفه أباً وأخاً وابن عائلة وله أصدقاء وجزء من الثقافة التقليدية. يمكن تخريج هذه العملية من فساد إلى فزعة. كلنا بدون استثناء نمارسها ونقرها وندين من لا يفزع مع ربعه. الموظف الذي لا يقدم مثل هذه الخدمات يصير بين جماعته (ما فيه خير).

سترى مثل أبو مشاري في الشرطة وفي البنك وفي الابتعاث وفي المستشفيات وفي التوظيف إلى ما لا نهاية. صرنا نسمي هذه العمليات واسطة ولكنها حسب الإدارة الحديثة وأخلاق العصر فساد يجب أن يعاقب عليه القانون. الطريف في الأمر، لو قررنا تطبيق القانون على كل من يقترف مثل هذه الحالات لتسربت الواسطة إلى جهاز تطبيق القانون نفسه ونجا كل من له واسطة. (نرجع على طير يلي).

المسألة إذاً ثقافية وليست خروجاً على القانون لكن تذكر أن كل شيء في حياة الإنسان لا يتركه الجشع نقياً. هذه المساعدة الأخوية تطورت حتى أصبحت تباع. ثمة عدد كبير من الوسطاء بأسماء معقبين أو مكتب خدمات أو غيرها يقوم بالواسطة. ما كان مجاملة عائلية أو أخوية تحول إلى تجارة. أنت عندك واسطة وأنا عندي المال. أصبحت القضية حقاً للجميع.

ثمة من سيقول إن المقصود بالفساد هو سرقة المال العام والاستيلاء على الممتلكات باستخدام النفوذ. صحيح ولكن في النهاية كلها استغلال نفوذ. كل واحد يمد يده على قد نفوذه.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض