كيف تؤثّر رغباتنا على قراراتنا؟

يقولون: إن الجوع أحسن طباخ.. وهذا صحيح؛ لأن حاجتك للطعام تجعلك تأكل أي (طبخة) ومرورك بحالة الحرمان يجعلك تنظر للقمة الصغيرة كمأدبة عظيمة..

يحكي أن رجلاً حكيماً سأل سلطاناً عظيماً: لو كنت يا مولاي تائهاً في الصحراء وشارفت على الموت عطشاً، فبكم تشتري كوب الماء؟ قال السلطان: بملكي كله.. فقال الحكيم: فما أرخص ملكاً تشتريه بكوب ماء!!

ومن هذين المثالين نلاحظ أن أحكامنا الذهنية تأثرت بحالتنا الجسدية (جوع أو عطش)..

والأمر نفسه يسري على أي قرارات نتخذها حين نكون متعبين أو مستعجلين أو نمر بوعكة صحية أو نُلبي غريزة جسدية.. فكل قرار نتخذه (سواء لاحظت ذلك أم لم تلاحظ) يتأثر بحالاتنا النفسية والجسدية وعلاقته بالظروف المحيطة بنا، في تلك اللحظة بالذات..

حتى موقعنا (الجسدي) ومكان تواجدنا (الفعلي) يمكنه أن يؤثّر على تقييمنا الشخصي وطريقة حكمنا على الآخرين.. هل لاحظت مثلاً أنك حين تقود سيارتك تتأفف من المشاة ومن يحاولون دخول مسارك الخاص، ثم يتغير موقفك بسرعة حين تكون أنت بين المشاة أو لا يسمح لك أحد بالدخول في مساره الخاص..

المخيف أكثر أن حتى تصوراتنا عن الناس (وما يفترض بهم فعله وعدم فعله) تتبدل بحسب مواقفنا ومصالحنا الشخصية.. فحين تكون مراجعاً تتأفف مثلاً من المسؤولين، وحين تصبح مسؤولاً تتأفف من المراجعين.. وحين تكون طالباً تتذمر من ظلم الأساتذة، وحين تصبح أستاذاً تتذمر من سوء الطلاب.. حتى موقفك من العشق والعلاقة بين العاشقين يعتمد على تجربتك العاطفية ومستوى الهيام لديك.. وهي حالة جربها المتنبي وقال عنها:

وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ

فعجبت كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ

وهذه الأمثلة توضح كيف يمكن لمواقفنا وحالتنا المزاجية (ناهيك عن الظروف المحيطة بنا) أن تؤثر على قراراتنا وحالات رفضنا أو قبولنا.. وأفضل حل لتحييدها وعدم تأثرك بها هو علمك بوجودها وفهم طريقة عملها (وهذا بصراحة ما كنت أحاول فعله في هذا المقال)..

وبوجه عام خذها نصيحة:

لا تتخذ قراراً وأنت مستعجل..

ولا توافق على شيء وأنت مرهق..

ولا تحكم على الناس وأنت غاضب..

ولا تجب وأنت حانق..

ولا تتصرف وأنت حائر..

ولا تفعل شيئاً وأنت متردد..

ولا تشتر شيئاً وأنت محروم منه..

ولا تستجب لأحد في لحظة ضعف..

ولا تتحيز لشيء لك فيه مصلحة..

ولا تتأثر بشيء لك معه تجربة..

وكما (لا يجب) أن تدخل الصحراء دون ماء (لا تدخل) السوبر ماركت وأنت جائع!!

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض