القمع .. مفتاح التركيز

واشنطن / وجد الباحثون أن الصعوبة في التركيز أمر لا يقتصر على البعض بل على الكثيرين، إذ وجدوا أن هناك انقطاعات تحدث في مكان العمل كل 12 دقيقة وكل 3 في أي مكان جامعي، وهذا يدل على أن كل من تحدث لديهم هذه الانقطاعات عن العمل الذي يشرفون عليه أو الدراسة يعانون من مشاكل في تجاهل الإلهاءات. ونشرت مجلة «التايم» الأميركية تقريرا حول هذه القضية، مشيرة إلى معلومات دونت في كتاب جديد بعنوان «العقل المشوش: عقول قديمة في عالم التكنولوجيا العالية» ألفه كل من عالم الأعصاب الدكتور آدم قزالي، والطبيب النفسي الدكتور لاري روزن، وشرحا فيه كيف تعمل قدرتنا على الانتباه، ومالذي علينا فعله للبقاء منتبهين وغير مشوشين.

يقول المؤلفان إن الانتباه التام ليس سهلا كما يبدو. في الحقيقة إنه يتطلب وظيفتين منفصلتين الأولى هي «التعزيز» وهي القدرة على الانتباه على الأشياء الهامة، والوظيفة الثانية هي القمع أي القدرة على تجاهل الأشياء التي لا تهم. ومن المثير للاهتمام أن التعزيز والقمع ليسا متضادين، فهما عمليتان مميزتان في الدماغ.

يقول المؤلفان «الانتباه والتجاهل ليسا وجهين لعملة واحدة، وليس بالضرورة أن تركز باهتمام أكثر على شيء ما، وفي نفس الوقت ستتجاهل كل شيء آخر. لقد أظهرنا في مختبراتنا أن شبكات الدماغ المختلفة تكون مرتبطة حينما نركز على شيء ما مقارنة بتجاهل شيء آخر».

وشرح المؤلفان ما يحدث قائلين إن هذه العمليات منفصلة تماما، وهناك شبكات أخرى في هيكلة الدماغ لديها مهام معينة وكلها مهمة جدا من أجل تنفيذ عملية الانتباه. وإذا ما ضعفت إحدى عمليات الدماغ هذه فإننا سنفقد الانتباه. على سبيل المثال، نحن نعاني من الانتباه عندما نكون متعبين وخصوصا عندما نتقدم في العمر، لأن الأدلة العلمية أثبتت أن القدرة على الانتباه تكون في أوجها حينما نبلغ العشرينات وتقل بمرور الوقت. وأضافا «أن تجربة انخفاض الانتباه والتركيز التي نواجهها عند تقدمنا في العمر هي بسبب عدم قدرتنا على تصفية التشويشات والإلهاءات، وليست بسبب قلة وعدم القدرة على التركيز».

تبين أن إغماض العينين لتذكر شيء ما من الممكن أن يكون ناجحا. في هذا الوضع الدماغ لا يعمل بجهد لتصفية المعلومات البصرية، ويمكنه بدلا من ذلك أن يكرس اهتمامه نحو مسح الذاكرة الخاصة بك. قازالي أجرى تجربةً لمعرفة أنواع المعلومات البصرية الأكثر تشتيتا، فسأل هو وفريقه مجموعة من المتطوعين لتذكر تفاصيل معينة وهم ينظرون إلى واحدة من ثلاثة صور: صورة رمادية فارغة، وصورة ممتلئة بأشياء، أو حينما يغمضون أعينهم. أظهرت النتائج أن القدرة على تذكر التفاصيل كانت ضئيلة بشكل ملحوظ حينما كانت أعينهم مفتوحة وأمامهم صورة، مقارنة بوضع إغلاق الأعين. هذه التجربة إضافة إلى تجارب أخرى تثبت أن البيئات الممتلئة وغير المنتظمة هي الأكثر تشويشا، إذ إن المساحات الممتلئة بمشوشات بصرية تجبر أدمغتنا أن تعمل بجهد أكبر لتصفية المعلومات الزائدة عن حاجتنا. لذلك فإن إزالة الملهيات مهم للحفاظ على التركيز وخاصة مع التقدم في العمر.

ذكر قازالي وروزن أن هناك بعض الأنشطة التي من شأنها أن تعزز من الإدراك والتركيز، وذلك بواسطة تحفيز قدرة الدماغ على تعزيز وإعادة تنظيم الاتصالات العصبية، وهي عملية تسمى بـ«اللدونة العصبية».