العالم من فوهة مسدس

هل صحيح أنك حين تملك مسدسا، يتولد لديك دافع لاستخدامه؟ إن كان جوابك (نعم) فلا أنصحك باقتنائه كونك بهذا الجواب تعبر عن رأيك في نفسك..

أما إن كان جوابك (لا) فيستحسن أن تتأمل الأرقام التالية قبل اتخاذ أي قرار بهذا الشأن !

... فباستثناء شعوب قليلة تؤكد الاحصائيات أن المجتمعات التي تملك أكبر نسبة من الأسلحة النارية، تملك أيضا أكبر نسبة من حوادث القتل والانتحار في العالم (بل أتضح أن حوادث القتل غير المتعمد في أميركا وحدها، يفوق حوادث القتل المتعمد في شرقي آسيا كلها)!!

... وقد يكون الشعب الأميركي هو الأكثر تسلحاً في العالم (بمعدل 113 مسدساً لكل 100 مواطن) إلا أن هندوراس وفنزويلا والسلفادور تأتي في المراكز الأولى عالميا من حيث جرائم القتل والانتحار بواسطة المسدسات.. فرغم أن هذه الدول ليست الأكثر تسلحا في العالم يموت بسببها في هندوراس 67 مواطناً، وفي فنزويلا 59 مواطناً، والسلفادور 47 (من بين كل مئة ألف إنسان)..

وهذه المفارقة تؤكد أن انتشار الأسلحة ليس السبب الوحيد لانتشار جرائم القتل والعنف.. فهي مجرد وسيلة يتم اللجوء إليها في ظروف الانفلات الأمني، والفساد السياسي، وتجارة المخدرات (الدوافع الرئيسية لانتشار جرائم القتل في دول أميركا الوسطى)..

وفي المقابل هناك شعوب مسلحة بشكل شبة كامل، ومع هذا تتمتع بنسبة جريمة منخفضة جدا.. خذ كمثال الشعب السويسري (الذي لا يملك جيشا رسميا ولكن جميع المواطنين فيه يملكون أسلحة متقدمة) ومع هذا يعد من أقل الدول في جرائم القتل.. أيضا هناك إسرائيل التي يعد كافة المواطنين فيها نظريا أعضاء في جيشها الاحتياطي (وتملك كل عائلة في المستوطنات مسدسا ورشاشا وقنبلة يدوية) ومع هذا تنخفض فيها جرائم القتل إلى جريمتين فقط لكل مئة ألف نسمة، وقل الشيء نفسه عن نيوزلندا، والدول الاسكندنافية التي ترتفع فيها نسبة امتلاك الأسلحة النارية، وتنخفض فيها نسبة جرائم القتل بشكل مدهش!!

غير أن هذه المفارقة الجميلة لا تجدها بين كافة الشعوب.. فالمعادلة الأكثر شيوعا هي أن الحد من انتشار الأسلحة النارية يساهم في الحد من نسبة الجريمة.. خذ كمثال اليابان، وسنغافورة، وهونغ كونغ، وكوريا الجنوبية التي تتميز بانخفاض نسبة انتشار الأسلحة (وبالتالي) انخفاض نسبة جرائم القتل والانتحار بواسطتها.. ففي هذه الدول يوجد مسدس واحد فقط لكل مئتي مواطن، وتنخفض فيها جرائم القتل إلى مستوى 0,03 ضحية في هونغ كونغ، و0,06 في اليابان، و0,08 في كوريا الجنوبية (بين كل مئة ألف مواطن)..

ومن كل هذه الحقائق نستنتج أن انتشار الأسلحة النارية (رغم أنها من أسباب انتشار جرائم القتل والانتحار)، إلا أنها ليست السبب الأساسي أو الوحيد.. فهي في النهاية (وسيلة تنفيذ) ينعدم تأثيرها في المجتمعات الراقية والمنضبطة، ويتفاقم خطرها في المجتمعات التي تعاني من الانفلات الأمني والفساد السياسي، والجريمة المنظمة..

بقلم:فهد عامر الأحمدي - الرياض