شريحة لكل مواطن

هناك مستقبل بعيد يصعب التنبؤ به، ومستقبل قريب يمكن التنبؤ به.. ومما يمكنني التنبؤ به (وتأكيد حدوثه خلال العشرين عاما القادمة) هو زرع شريحة إلكترونية داخل كل إنسان.. شريحة ستطالبنا الدولة مستقبلا بزراعتها (تحت شعار: سارع لتوثيق هويتك بزرع شريحتك) كبديل للهوية الوطنية تتضمن كافة بياناتنا الشخصية..

قد تتذمر في البداية ولكنك سرعان ما تكتشف محاسنها الكثيرة.. ستتفوق على جوالك الذكي (الذي يعمل بشريحة مشابهة) وتقدم لك عددا لا يحصى من الخدمات المدهشة.. ستزرعها تحت جلدك ولكنها تتفاعل (من خلال تقنية البلوتوث) مع جميع الأجهزة حولك.. لن يزيد حجمها عن حبة الأرز ولكنها ستغنيك عن حمل المحفظة وكافة البطاقات الإلكترونية.. لن تحتاج بفضلها لاستعمال المفاتيح أو الأرقام السرية كون مجرد اقترابك من مكينة الصراف أو الكمبيوتر (أو دخولك للسيارة والمكتب) يجعلها تتعرف عليك تلقائيا..

ولأن الشريحة تعمل أيضا كـ"ذاكرة سحابية" ستتضمن حساباتك البنكية وأرقامك السرية وملفاتك الصحية وشهاداتك الأكاديمية وصورك الشخصية.. يمكنك أن تنزل فيها كافة المعلومات والبيانات والوثائق التي ترغب بوجودها معك بشكل دائم (حتى أثناء نومك واستحمامك) بما في ذلك أموالك المخزنة كبيانات رقمية..

أيضا هناك جانب صحي مهم ستؤديه مستقبلا الشريحة البشرية.. فهي مثلا ستجمع بيانات يومية عن ضربات القلب ومستوى الضغط والسكر وكريات الدم الحمراء والبيضاء.. ستعمل في جسدك مثل كمبيوتر السيارة (الذي يجمع بيانات الأعطال) أو صندوق الطائرة الأسود (الذي يسجل بيانات الرحلة).. ستكون المهمة الأقرب للتطبيق كون الأطباء (هذه الأيام) يزرعون منظما خاصا بضربات القلب يتيح للطبيب مراجعة أي اضطراب أصاب قلبك خلال الأشهر الماضية (واسأل بنفسك أي شخص زرع منظما كهذا)!!

وهذه الفرضيات ليست من قبيل الخيال أو المبالغة كونها تقنيات موجودة ومستعملة هذه الأيام في بطاقة الصراف وداخل الجوال وضمن لوحة الكمبيوتر.. لا يوجد عائق حقيقي يمنع زرعها (تحت جلدك) لأداء نفس المهام.. وحينها يكفي أن تضع كفك فوق (قارئ ليزر) لفتح الأبواب، وقطع التذاكر، وركوب وسائل المواصلات، وتسهيل مرورك على مراكز التفتيش والجوازات (كون بياناتك ستظهر بمجرد وضع كفك فوق الطاولة.. وبوجود تقنية البلوتوث قد لا تحتاج أصلا لوضع كفك فوق أي شيء كون "الشريحة" ستتفاعل مع الأجهزة المعنية بمجرد اقترابك منها، كما يحصل هذه الأيام مع السيارات الفارهة التي تتعرف عليك بمجرد اقترابك منها..

لا يمكنني فعلا إحصاء ما يمكن لشريحة كهذه تقديمه، ولكن يكفي الإشارة إلى أنها ستكون أقوى بكثير من الشريحة التي يعمل بها حاليا هاتفك الجوال..

وفي حال استطعت أنت تخمين الخدمات التي سيقدمها هاتفك الجوال (بعد عشرين عاما) يمكنني أنا تخمين الخدمات التي ستوفرها شريحة كهذه في جسم الإنسان..

يكفينا حاليا قدرتها على متابعة الأطفال التائهين عبر الأقمار الاصطناعية..

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض