استثمروا العقل

عجبنا لفترة من الزمن، ولا يزال بعض العجب قائما أنه بالرغم من تحذير جهات القرار للمواطن بعدم الانجرار وراء مساهمات مُغرية جدا بكيانات استثمار إما غير مؤهلة أو أن خلق ذلك الكيان من الأساس تم بواسطة أناس حاذقين بعمليات النصب، وتنعدم ذمتهم، ومخططهم من الأصل كان استدراج توفيرات البسطاء، وبعض أهل النعَمْ.

في فترة مرّتْ، إبان فيضان السيولة قرأنا وسمعنا عن مخططات مدن ترفيهية، ثم جاءتنا مساهمات شراء كميات وافرة من خدمات الاتصالات المدفوعة (سوا) وقبلها أسماء شخصيات تألق اسمهم بالمساهمة (تعرفونهم) وعجبي هو من انسياق الناس طوعا إلى مساهمات مجرد وجود اسم تلك الشخصية سيجعلها مساهمة متعثرة لاحقا، وتمضي السنون والمساهم ينتظر ولو جزءا من رأسماله.

وفي جعبتنا كعرب أمثال وآثار رائعة. فقيل: لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين وقيل أيضا في العامية: اللي تقرصه الحيّة يخاف من الحبل. والبعض منا تلدغه حيات من نفس الجحر، ومع ذلك يعود إليه بسبب الطمع. والذين طبقوا عدم احتمال لدغ المؤمن من جحر مرتين هم غير المؤمنين، لأنه لم يُلدغ ولا مرة واحدة بسبب صرامة القوانين وسرعة التنفيذ العقابي للمحتال والمتلاعب.

بين ما اصطلح على تسميته بالطفرة وزمننا الحالي فترة طويلة تُعلّم الحيوان، لكن الركض وراء الثراء يجرف الكل، الذكي والغبي عندنا، دعك من المؤمن وغير المؤمن.

وكنا على أمل ألا تعود السذاجة، ولكن يبدو أن أملنا خاب، فمازالت ملفات القضاء والوزارات المسؤولة عن المساهمات، مليئة بطلبات من جرى لدغهم عشر مرّات من ذات الجحر.

تبين من المطالعات الأولية لأضابير المساهمات المتعثرة أن صاحب المساهمة الأصلي وضع أموال الناس في مشاريع أُخرى خاصة به ولمنفعته، وعند إصرار صاحب الحق على استرجاعها بواسطة المحاكم، يعمد صاحب المساهمة إلى إعادة المبلغ الأصلي إلى صاحبه بعد أن ظل المبلغ يعمل لصالح المحتال فترة طويلة، ويظل المحتال يُطالب المحكمة بتقسيط السداد، حتى يستنفذ جميع ما لديه من حيَل.

عندنا صحوات من كل الأنواع، ونأمل أن تكون الأقوى صحوة استثمارية، وأن نستثمر العقل الذي وهبنا الله. والركض وراء الشهوات المالية التي فوق حدود طاقتنا مرّ زمنها وانقضى.

بقلم: عبدالعزيز المحمد الذكير - الرياض