الابتزاز باسم حقوق الإنسان

عندما تريد أميركا أن تتدخل بحنانها المعهود في قضية صينية تتعلق بحقوق الإنسان فهي في الواقع تتدخل لمصلحة أميركية تحت ذريعة حقوق الإنسان. ولكن قبل أن نشتم أميركا كما جرت العادة تأمل في التعقيدات جيدا: بقدر ما يخدم هذا التدخل مصالح أميركا هو في الواقع يخدم حقوق الإنسان في الصين وإن بدرجة معينة. التدخل الذرائعي يعكس أخلاقية الإنسان وقوة حضور النبل في داخله. بقليل من التأمل سترى أن هذا الكلام غير متناقض.

نحن والصين وحتى الفئة المظلومة في الصين نعرف أن التدخل الأميركي في شؤون الصين الداخلية بدعوى حقوق الإنسان لا علاقة له بحقوق الإنسان.

قبل سنوات قليلة عندما كانت المصالح بين أميركا والصين سمنا على عسل كانت حقوق الإنسان في الصين في حال اسوأ. لم يسمع أحد أن هبت أميركا من أجل الإنسان الصيني المسكين. لم تتذكر أميركا حقوق الإنسان في الصين إلا بعد أن ساءت المصالح بين الدولتين.

لكن علينا أن نتذكر وأن ننتبه أن أميركا ليست هي من صنع الظلم على الإنسان الصيني في داخل الصين. ثمة أزمة حقوق إنسان في الصين سوغت لأميركا أو غيرها التدخل. أمام الصين أمران لمواجهة هذه الانتهازية الاميركية إما أن تذعن لمصلحة أميركا وتقدم التنازلات أو تصلح من الوضع الإنساني في داخلها وتفوت الفرصة على الاميركان.

القرار يعود للحكومة الصينية: توازن بين الضرر الذي سوف تصاب به من إزالة الظلم الذي تمارسه ضد شعبها، وبين التنازل المصلحي الذي يتوجب عليها تقديمه لإخراس الولايات المتحدة والتحريض العالمي عليها.

في حال اختارت الصين التنازل لانتهازية أميركا ووافقت على توقيع اتفاقيات أو زيادة واردات من أميركا.. الخ فهي في الواقع تنحاز للظلم على تلك الفئة من شعبها وتقرر أن تصبح رهينة للأميركان في المستقبل. مستقبل الصين سيكون عرضة للابتزاز الدائم. يصبح الظلم الواقع على الشعب الصيني ظلما يمارسه الأجنبي على الحكومة الصينية نفسها. في كل مرة تحتاج أميركا تنازلا من الصين تعود إلى حكاية حقوق الإنسان. قد يتفاقم الامر بان تصبح أميركا تحكم الصين بطريقة غير مباشرة وربما تعدى الأمر وجاءت دول أخرى تستفيد مما استفاد منه الأميركان.

الابتزاز الأخلاقي هو أسوأ أنواع الابتزاز، ولكنه ضروري في تقدم البشرية مع الأسف. سيجد الخيرون في العالم أن استغلال أميركا للظلم في دولة فرصة لهم لتصحيح الوضع في تلك الدولة. لسان حالهم يقول: لماذا نسعى لمنع الابتزاز الأميركي؟ لماذا لا نستغله لتصحيح الوضع الإنساني في تلك الدولة. إذا ارادت الصين أن تتخلص من الانتهازية الاميركية فعليها أن تصحح الوضع الداخلي.

هكذا تطورت البشرية. كل شعب يتغلغل في شعب آخر من اجل مصالحه ينتهي أن ينقل لهذا الشعب تجاربه المتفوقة. التبادل التجاري والمصلحي والتحالفات وحتى الحروب تكون دائما مشحونة بعوامل إيقاظ الضمير.


بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض