الحرب العالمية الثالثة

يتجه العالم بقيادة الرأسمالية لأن يكون فردا واحدا بالمعنى المجازي. تسعى مجموعة صغيرة من الشركات إلى السيطرة على اتجاه معين او ثقافة معينة أو بضاعة معينة وتقصي ما سواها أو تستوعبه.

شركة أو شركتان سوف تحتكران الأدوية ومثلهما ستحتكران الأثاث وهكذا مع الأطعمة والالكترونيات. حدث هذا الآن مع الجوالات والمطاعم والسيارات.. الخ. قرأنا عن هذا وفجعنا وكذبنا حينها واليوم صرنا نعيش ممارسته ونقترب من تمامه خلال السنوات القليلة القادمة. الخطير في الامر الذي بدأت تظهر طلائعه في السبعينيات أن المدن بدأت تتقارب وتتشابه وتصبح مدينة واحدة لا يميزها عن الأخرى سوى المستوى الاقتصادي لسكانها واللغة المحلية التي تسم سكانها الأصليين. بعد زيارتي لنيويورك أو بكين لن اجد ما اقصه عليك ويثير استغرابك عن هاتين المدينتين. ما تراه في الرياض ستراه في شنغهاي وما تراه في شنغهاي ستراه في هلسنكي. بغض النظر عن الثقافة واللغة، اتوقع ان تصبح اللغة الإنجليزية لغة سكان الأرض المشتركة.

قرأت قبل سنوات كتابا عن الحداثة أو تحدي الحداثة شيء من هذا القبيل. يتحدث عن هذا الذي يحصل اليوم. كل بضاعة ستكون محتكرة لرجل واحد أو شركة واحدة أو عدد من الشركات محدود. ضرب المؤلف مثلا بالشامبو. سترى في البقالة عشرات الأنواع من الشامبو. الوان ونكهات وروائح مختلفة. والحقيقة ان منبعها واحد. كل عبوة شامبو تشاهدها تأتي من مصنع واحد. قدر او طنجرة ضخمة يغرف منها المالك الأعظم لكل من يريد أن يتاجر في الشامبو. يضيف التاجر الصغير على حصته اللون والعطر ثم يعطيه اسما خاصا لتسويقه باسمه. وأمر الاحتكار لا يتوقف عند شركة انتاج الشامبو. سيجد التاجر الصغير نفسه محكوما بشراء العطر من شركة أو شركتين وهكذا مع الأصباغ والإعلان ووسائل الإعلان.

ما يطرحه أصحاب نظرية المؤامرة عن حكومة خفية تدير العالم سرا ها هي تتشكل أمامنا اليوم عينك عينك. الاحتكار الاستراتيجي بدأ منذ زمن. عدد مصنعي الطائرات محدود جدا ومثلهم عدد مصنعي السيارات والسلاح والأدوية. على كل ما تملكه الإنترنت من تأثير ثقافي واخلاقي وتجاري يتحكم فيها عدد محدود من المواقع الأساسية التي يملكها عدد محدود من البشر نعرفهم بالاسم. صارت البضائع الاستراتيجية في يد، وصناعة الرأي العام في يد أخرى.

لا أعرف إلى أين يتجه بنو البشر. ثمة ثقافات ستزول. ستتشكل ثقافة عالمية جديدة تفرض على البشر التوحد حولها. لكن لابد من الصراع. القوى الكبرى ستدخل في صراع عنيف على الكعكة. ما نسمعه اليوم عن حرب عالمية ثالثة لا يمكن أن يكون كله هراء. المحنة السورية نقطة تجاذب ساخنة. لا يوجد دولة لم تضع لها فيها قدما.

تتجمع فيها الإرادات وأنواع السلاح كما تجمعت الذرات يوما قبل مليارات السنين حتى إذا ازدحمت وتضاغطت تنفجر. سيتولد عالم جديد، لن نعرفه لأننا لن نكون من شهوده..


بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض