خطاب ولي العهد في الأمم المتحدة

لم يعد محفل الأمم المتحدة مجرد منتدى يتبارى فيه الخطباء بمديح بلادهم وإدانة أعدائهم وتجزئة الحقائق وتمريرها والضرب بها على عواطف الشعوب ومآسيهم، كما كان الأمر في القرن الماضي. أصبحت الحقائق والواقعية هي وقود النجاح في هذه المحافل. طرح سمو الأمير محمد بن نايف ولي العهد في خطابه في الأمم المتحدة حقائق واضحة في سياق علمي متتابع بعيداً عن روح الخطابة أو رفع الصوت لإثارة التعاطف المجاني. جاء خطاب سموه كلاماً مسؤولاً عن حقوق بلاده الشرعية حيث عبّر عنها دون مبالغة بعد أن وحّدها مع الاحتياجات الدولية المتعددة كمكافحة الإرهاب ومكافحة التلوث البيئي العالمي ورعاية اللاجئين. طرح سموه دور المملكة كشريك ومسؤول قوي. لم يقدم مطالب المملكة بصورة تنم عن أنانية على الرغم من شرعية ذلك وإنما وضع هذه المطالب في صورتها الإنسانية الشاملة. فبقدر حاجة المملكة إلى النفط كمصدر أساسي من مصادر دخلها لم ينظر سموه إليه بمعزل عن سلامة كوكب الأرض على المدى البعيد.

خطاب محمد بن نايف لم يكن موجهاً للداخل أو للاستهلاك العاطفي. كتب ليتوجه إلى أصحاب القرار الدولي وشعوب الأرض المتعرضة يوميا للإعلام الدولي بأجنداته المختلفة.

عبّر سموه عن الدور الذي تسهم به المملكة في المساعدات الدولية للاجئين وخصوصاً ًًاللاجئين السوريين واليمنيين، وهما الملفان الأكثر إثارة وحساسية في هذه المرحلة. رغم ضخامة المساعدات السعودية لهاتين الفئتين من اللاجئين بقيت جهود المملكة بعيدة عن أضواء الإعلام ولم تحظ هذه الجهود بالدعم الإعلامي اللازم خصوصاً الدولي وهذا الضعف للأداء الإعلامي أثار كثيرا من الاستفهامات.

أسهمت الطريقة الإنسانية التي تعاملت بها المملكة مع اللاجئين السوريين بقدر كبير في تغييب هذا الدور وإخفائه. الأسلوب الذي تعاملت به المملكة مع اللاجئين السوريين واليمنيين اتسم باللباقة واحترام إنسانية الإنسان السوري واليمني وكرامتهما. تدفُّقُ السوريين على المملكة بطريقة تقليدية وكأنهم سياح أو زائرين عاديين لا يوفر للإعلام والإعلاميين الصورة الحيوية التي تمنحهم مادة مثيرة ودرامية كما شاهدنا في الأحداث التي رافقت اللجوء في الاتحاد الأوروبي.

الأمم المتحدة رغم الضعف والبطء في أدائها ومعاناتها من تأثير الدول الكبرى على قرارتها تبقى منبراً خطيراً تحتاجه الشعوب والأمم لحشد قوى الخير إلى جانبها. تمر المملكة بصحبة المنطقة بصعوبات من المتعذر تقدير نتائجها على المدى الطويل. انخراط المملكة بثقلها وقدراتها في العمل الدولي المشترك ومحاولة التأثير عليها يشكلان عاملاً مهماً لا يمكن أن تستغني عنه دولة كالمملكة في الدفاع عن حقوقها وكشف الحقائق والتصدي للأعداء.

الهدوء الذي اتسم به سموه أثناء إلقاء خطابه التاريخي عبّر عن الثقة في عدالة القضايا السعودية وسلامة مواقفها من الأزمات الدولية والقرارات التي اتخذتها في حربها على الإرهاب أو في انغماسها في المسائل الإقليمية كالأزمة اليمنية. آمل ألا يتوقف تأثير خطاب سموه عند منبر الأمم المتحدة وإنما تصبح النقاط التي اشتمل عليها هذا الخطاب أرضية لاستراتيجية إعلامية دولية سعودية.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض