نموذج تشيريتون

ديفـيد تشيريتون أستاذ في جامعة ستانفورد تتجاوز ثروته 3000 مليون دولار.. وهذا بدون شك استثناء وحالة نادرة (إذ كيف يمكن لأستاذ جامعي أن يصبح بليونيراً) ولكن لهذا الرجل قصة تستحق الذكر:

فقد كان مشرفاً على شهادة الدكتوراه لطالبين لامعين في الرياضيات يشجعهما على إنشاء شركتهما الخاصة.. ولأنه عرف بين طلابه بمساندته لمشاريعهم الناشئة عــادا بعد تخرجهما ليعرضا عليه الاستثمار في شركتهما الجديدة.. كانت لديه مئة ألف دولار لم يتردد في تسليمها لهما.. وصلت اليـوم إلى مليار دولار...

الشركة الجديدة نعرفها اليوم باسم "جوجل" والطالبان هما لاري بيج، وسيرجي برين، اللذان أسسا محرك البحث المعروف جـوجل.. وفي حين أصبحا أشهر من نارعلى علم (وتفوق ثروتهما 60 مليار دولار) لم يسمع أحد بأستاذهما الجامعي الذي أشرف عليهما وشجعهما واستثمر معهما منذ البداية..

والحقيقة هي أن هذا الاستاذ الكندي ــ الذي عمل رئيسا لقسم الحاسب الآلي في جامعة ستانفورد ــ مازال يمارس حياته الأكاديمية بكل تواضع رغم مساهمته في إنشاء عدد من الشركات الناجحة في وادي السيليكون (مسؤولة عن ثلثي ثروته خارج جوجل)..

وكانت شركات التقنية قد بدأت بالتجمع في هذا الوادي (خارج سان فرانسسكو) بفضل طلاب تخرجوا من جامعتي ستانفورد وبيركلي الموجودتين في المنطقة.. وفي ذلك الوقت لاحظ تشيريتون أن معظم طلابه يصبحون عاطلين عن العمل فأنشأ برنامجاً لرعايتهم وتشجيعهم على إنشاء شركاتهم الخاصة قرب مختبرات الجامعة.. وأول طالبين أقنعهما بتأسيس شركتهما في المنطقة هما هيوليت وباكارد، واللذان أنشآ بمساعدته أكبر شركة في العالم للطباعة وصناعة الكمبيوتر (نعرفها اليوم بنفس الاسم أو بالاختصار hp)..

والآن؛ ماذا نتعلم من قصة هذا الأستاذ الجامعي؟
أشياء كثيرة، أهـمها أن علاقة الأستاذ بطلابه اللامعين لا يجب أن تنتهي بمجرد تخرجهما في الجامعة..

نـتعلم أهمية الاستثمار في العـلوم الحقيقية والتخصصات التطبيقية التي تتحول لـخدمات ملموسة وثروات فعـلية..

شركة جوجل كمثال تأسست بفضل (معادلات بحث رياضية) فشل سيرجي برين في بيعها على شركة ياهـوو (التي بيعت مؤخراً بثمن بخس).. أما شركة "ميكروسوفت" فظهرت بفضل بيل جيتس الذي أدرك أهمية تصميم برنامج تشغيلي يستغل إمكانيات الشرائح الجديدة فأسس (وعمره تسعة عشر عاماً) شركة مايكروسوفت للبرمجيات. وبفضل الأسبقية وشعبية برامج ويندوز حققت شركته صعوداً سريعاً وتحول بيل جيتس إلى أغنى رجل على وجه الأرض..

مـا لا نعلمه (وهذا بيت القصيد) أن بيل جيتس لـم يصبح ثرياً وحـده بــل كان معه 82 مستثمرا (من بينهم والدته وعدد من موظفيه وأصدقائه) ساهموا معه منذ البداية في تأسيس الشركة الجديدة وتـتجاوز ثروة أقلهم 112 مليون دولار!!

... وبطبيعة الحال؛ الأمر ليس قاصراً على عالم الكمبيوتر والإنترنت، فالمشاريع الرائدة تحقق عموماً أرباحاً خارقة لمن يسـتثمر فيها أولاً (وضع خطين تحت كلمة أولاً).. ولولا ضيق المساحة لأخبرتك عن أفكار واختراعات كثيرة بدت ساذجة في حينها (كـلصقة الجراح ومشروب الكولا ودراجات هوندا ومكنة زيوركس وشركة أمازون) التي تحولت اليوم إلى اقتصاديات هائلة وحولت أوائـل المستثمرين فيها إلى أثـرياء كبار..

... ومرة أخرى؛ مـاذا نتعلم من كل هـذا؟

نتعـلم أهمية العلوم الحقيقية والتخصصات التطبيقية، مقابل العلوم الوهمية والتخصصات النظرية .. نتعلم أهمية الاستثمار في المشاريع الناشئة والأفكار الرائدة ــ بدل الاستثمار في المجالات التقليدية والمتشبعة أصلاً.. نتعـلم ضرورة تشجيع الشركات الجديدة ومساعدتها على تجاوز عنق الزجاجة.. نتعـلم ضرورة تحلي رجال الأعمال بالجراءة ومشاركة المبدعين من الشباب.. نتعلم ضرورة عـدم انتظار الشباب أنفسهم للوظيفة (والإصرار) على تحويل أفكارهم إلى مشاريع خاصة بهم ..

.. ويـبقى الأستاذ الجامعي هـو الجندي المجهول!