كيف يتآمر علينا الأعداء؟

استمعت إلى الخطاب الذي ألقاه المخلوع على عبدالله صالح مدشنا فيه الاتفاق الذي ابرمه مع الحوثيين. تحدث صالح بوصفه رئيسا على اليمن وبوصف اليمن دولة عظمى وبأن الإنسان اليمني امتلك ناصية العلم والتكنولوجيا في ظل حكمه الذي دام أكثر من خمس وثلاثين سنة. بعد أن بين ما يريد تبيانه مد يده مشكورا لـ"الشقيقة الكبرى"!.

يظهر خطابه في صورة كاريكاتيرية تشي بالاستهتار ولكن الأمر ابعد من ذلك وأكثر عمقا.

خطاب على عبدالله صالح يمكن أن يكون وثيقة أكاديمية تلخص الخطاب السياسي العربي الذي ساد في السبعين سنة الماضية. كيف تكون الأشياء غير الموجودة موجودة، والموجودة والمتظاهرة أمام اعين الناس لا وجود لها.

الحق يصير باطلا، والباطل يصير مأثرةو، والفشل يمسي إنجازا والانحدار الشامل تنمية. هذه الفلسفة التي قامت عليها كثير من الدول والتي انتهى بعضها إلى الربيع العربي.

رجل تم اقصاؤه عن السلطة بإرادة شعبية شاملة وتم انقاذه من المحاكمة بتدخل دولي لتجنيب اليمن القلاقل والصعوبات وتم تأمينه على الأموال التي سلبها من خزينة البلاد، ليرحل بسلام. كما انه يعرف قبل غيره أن بلاده التي حكمها عقودا صنفها الخبراء دولة فاشلة، دولة تعج بالقلاقل والبطالة والإرهاب والمخدرات وتهريب البشر. يعود المتسبب بكل هذا إلى واجهة الاحداث ويتحدث باسم اليمن كله ولا شك أنه بطل في عين اتباعه كما اصبح صدام حسين بطلا في نهاية الأمر.

لا أريد من هذا الكلام إدانة علي عبدالله صالح. فهو لم يصدر من فراغ وليس وحيدا. ثمة خطاب عربي يعبر عن هذا المفهوم ويعززه. خطبة صالح تمثل تاريخ العالم العربي في القرن العشرين.

ماذا قدم علي عبدالله صالح لبلاده طوال حكمه؟

دولة كرتونية بلا مؤسسات أو نظم تعليمية أو تنمية ومفرغة من ابسط مقومات قيام الدول. طوال حكم صالح كانت اليمن مشغولة به. مشغولة بتثبيت حكمه وحمايته وتمجيده وقمع معارضيه وتنمية التناقضات وتوظيفها. في عهده ظهرت السموم السياسية القاتلة. الاخوان المسلمون الحوثيون القاعدة. قوى تخريبية تتنافس وتتقاتل ويجني صالح الثمار. تحولت اليمن إلى دولة تدار كما تدار المافيا. تختلط فيها الدسائس والحضور العائلي والتصفيات وتوزيع الغنائم وتعيين الأزلام والمنتفعين وتوظيف هذا لقمع الخصوم وتخويف الجيران.

نفس المشكلة ظهرت في ليبيا وفي سورية وفي العراق.. الخ. لا يوجد من عناصر الدولة سوى الإعلام الممجد للزعيم والمخابرات التي تصفى الخصوم.

عند النظر في خطاب التنمية العربي ستلاحظ أن أول عناصره المثالية الطموحات المستحيلة التي لا علاقة لها بحياة المواطن اليومية. الوحدة، الأمة العربية والأمة الإسلامية والعزة والكرامة المواطن الأبي والنصر والتمكين.. الخ. طموحات بلا وجود لها وبلا معنى تسعى الامة لتحقيقها ومصرة على تحقيقها ويدان كل من يتعرض لها أو يسفهها. توفر هذه المثاليات المستحيلة غطاء لكل اشكال النهب والقمع والفشل وتعطي الإعلام فسحة كبيرة للتضليل وتسفيه العقول وتمجيد الزعيم وتكريس نظرية المؤامرة وأخيرا الانهيار فيصبح المتهم الصهيونية واميركا وأرباب الصليب إذا أردت.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض