خيبات الأراضي البيضاء!

هناك من بين الكتاب والمحللين الاقتصاديين من أبدوا تذمرهم من نظام رسوم الأراضي البيضاء، وأصيبوا بخيبة أمل، وهناك غيرهم من سيزداد تذمرهم أكثر مع السنوات القادمة، وهم يعتقدون أن أسعار الأراضي البيضاء ستهوي إلى القاع ببساطة، خاصة أننا حديثو عهد بالرسوم أو الضرائب، ولسنا مثل الدول العريقة التي تعتمد دخول حكوماتها على الضرائب، لذلك نسمع دائما عن رجال أعمال ومشاهير يتهربون من الوفاء الضريبي!

علينا دائما أن نؤمن بأن النجاح في الحصول على رسوم أكثر من نصف الأراضي الخاضعة للنظام هو إنجاز بحد ذاته، لأن كثيرًا من هذه الأراضي ستتهرب من هذه الرسوم، وذلك من خلال التلاعب والتسلل من الثغرات في النظام، فلا يخفى على أحد أن تسوير الأرض، وليس تطويرها، قد يجعلها من الأراضي التي لا ينطبق عليها النظام، وربما بناء ملحق أو مستودع صغير في زاوية أرض خام كبيرة يجعلها في مأمن من الرسوم المقررة!

كما أن تجزئة الأرض، وبيعها بشكل صوري، لأقارب أو أصدقاء، قد يخرج الشخص من دائرة الرسوم المنطبقة عليه، وكذلك تأجيرها للغير، لمدد زمنية طويلة، وغيرها من الأساليب والحيل التي تسهم في التهرب من الرسوم المفروضة عليه، لكن مراجعة النظام كل ثلاث سنوات، على سبيل المثال، وتحديثه، قد يجعله أكثر إحكاما، فضلا عن المتابعة الميدانية والتقصي الدقيق للحالات المشكوك فيها.

وبعيدا عن الأساليب التي يتقنها تجار العقار، وقدرتهم على تلافي دفع الرسوم المفروضة على الأراضي البيضاء، وبعيدا عن كون هذه الرسوم تمثل دخلا إضافيا مهما للدولة، هل ستؤثر على أسعار الأراضي؟ هل فعلا سيزداد العرض من الأراضي مقابل ضعف الطلب عليها، أو ثباته على الأقل؟ هل ستعود أيام السبعينات والثمانينات حينما كانت الأراضي السكنية تباع بالتقسيط المريح؟ أم أنها ستبقى كما هي؟ أم سترتفع الأسعار إلى مستويات جديدة؟ بعد أن يقوم التجار بتحميل هذه الرسوم على المستهلك الأخير، كما فعلوا في المخططات المطورة؟ بعد أن كانت أسعار الأراضي معقولة، حينما كانت الدولة هي من يخطط ويؤسس الخدمات كالماء والكهرباء والسفلتة والإنارة، وبعد أن أوكلت هذه المهام للمطورين العقاريين، وفرضت عليهم استخراج نحو 40% من مساحة الأرض الخام، للخدمات من شوارع وأرصفة وحدائق ومساجد ومدارس وغيرها، فقاموا بتحميل هذه المبالغ على جيب المواطن الباحث عن أرض صغيرة يبني عليها مسكنه، فهل سيحدث ذلك أيضا على رسوم الأراضي البيضاء؟ ربما.

بقلم: يوسف المحيميد - الجزيرة