صناعة الإنسان

تحدثت بالأمس عن أهمية الدور الذي تلعبه الأسرة والمدرسة في المراحل المبكرة من حياة الطفل، للتعرف على شخصيته وبناء قدراته وتحقيق طموحات المجتمع من كل أفراده. إن النتيجة الحتمية لعدم البناء على القواعد الأساسية في التعامل والتربية، هي البقاء تحت رحمة الظروف والأحداث والتوقعات والمبادرات الشخصية التي قد تكون في مستوى التوقعات، وقد تكون سلبية ومسيئة لمستقبل الشخص ومجتمعه.

الاعتقاد أن بناء منظمات التأثير في السلوك التي تحاول أن تختطف أبناءنا من بين أيدينا وتحولهم إلى معاول هدم لمجتمعاتهم وأسرهم، هو نتيجة للأحداث، قد يكون فيه الكثير من الخطأ. نحن نستطيع أن نكوِّن لدى أبنائنا القدر الكافي من المضادات النفسية والمجتمعية والذهنية لدرء كل المخاطر التي يمكن أن يتورطوا فيها، وجعلهم أكثر مناعة ضد من يحاول أن يبتز عقولهم وقلوبهم.

ينتج كل ذلك عن القدرة على اكتشاف مقومات الشخصية والبناء على الإيجابي منها والتخلص من السلبيات التي يمكن أن تؤثر في فكر وسلوك الفرد في المجتمع المعرض لكل أنواع الإساءة والتحريض، ومحاولات نشر الفوضى التي تمارسها فئات كثيرة في عالم اليوم.

الاستمرار في هذا السياق يأخذنا إلى عوالم أكبر تأثيرا في مستقبل الوطن والأجيال، فعندما يتوجه الشاب في تعليمه وتخطيط مستقبله الاتجاه الصحيح الذي يناسب ما ذكرناه من مواصفات شخصية وبدنية وذهنية، نحن نحصل في النهاية على مكونات أكثر قدرة على نفع المجتمع والارتقاء بالأوطان، بدل الوقوع ضحايا للفرقة والاختلاف ومحاولات الصعود على أكتاف الآخرين والإساءة للمجتمع ومنشآته ومكوناته الأساسية.

تبذل الدول وكل مكوناتها الكثير من المال والجهد في سبيل كشف هذه النقاط في المراحل المتأخرة من حياة الفرد، وهي محاولة لتعويض النقص الحاصل في المعلومات الشخصية لكل إنسان، فتحصل في النهاية على بقايا الشخصية التي كان بالإمكان أن تكون مكتملة لو أنها اكتشفت مبكراً.

يقوم بهذا الدور عدد كبير من مراكز الكشف والتقويم التي تتعامل مع فئات محددة بسبب محدودية قدرتها على التعامل مع كل مكونات المجتمع، وهنا تأتي أهمية المقولة التي ذكرتها في الحلقة الأولى من هذا الموضوع، فعندما نوجد مراكز السبر والكشف، نكتشف البقايا. لكن فاتنا الكثير من المهارات التي دفعتنا للاعتماد على النصراني وننتظر موته لنكتشف قدراتنا.

بقلم: علي الجحلي - الاقتصادية