صعقة الفواتير

الرشد في الاستهلاك سلوك يزرع بحزمة من العوامل، لكنها قد تتفكك وتنهار إذا ما استمر الفرد محاطاً ببيئة اجتماعية ضاغطة مفرطة استهلاكياً.

من إيجابيات صعقة فواتير المياه التي مررنا بها ما لمسته من مشاهداتي، «أثناء تلك الفترة القصيرة جداً» أن عدداً من الطرقات التي أشاهد كثرة جريان الماء فيها جفت ويبست، ولم أعد أرى سائقاً يغسل سيارته أو مقدمة منزل رب عمله باستخدام خرطوم المياه، وهي مناظر كانت تلفت انتباهي وتوقفت خلال تلك الأيام المائية.

الآن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، عادت حليمة إلى عادتها القديمة، يشمر السائق عن ذراعيه وساقيه من تحت «الوزرة» مستخدماً لي أو خرطوم المياه في الغسيل أو سقيا شجيرة وحيدة. القادم من بلاد الأنهار لا يعي قيمة الماء أو لا يهمه أصلاً، و«المنجضع» داخل المنزل غائب في العالم الافتراضي.

وللنظر هنا ما أحدثه سوء تطبيق فواتير المياه من الشركة، لأنها لم تكن جاهزة لذلك ولم تستعد بالصورة المطلوبة، أنتج هذا موجة سخط بسبب أرقام فواتير غير معقولة وتخبط في الجباية دفعت لتراجع الشركة والوزارة عن التطبيق إلى أجل غير مسمى.

لا شك أن هذا الخطأ أنتج سابقة في ذهنية المستهلك أو المشترك، النتيجة ضعف ثقته أو حتى اهتمامه بقرارات لاحقة ومدى جديتها وحسن تطبيقها بصورة عادلة متوازنة.
وحول إفراط استهلاكي آخر خاص بالغذاء، وخلال حفلة لطيفة وخفيفة لجمعية إطعام الخيرية تكريماً لأمينها الأستاذ حمد الضويلع، وهي الجمعية التي أحدثت تغييراً في نمط العمل الخيري وقدمت صورة مغايرة للسائد في هذا القطاع، أعاد مديرها التنفيذي الصديق عامر البرجس إلى الأذهان رقماً سبق لوزارة الزراعة إعلانه، 250 كيلوغراماً متوسط الهدر للفرد الواحد من المواد الغذائية كل عام في المملكة، وأن هناك نسبة غير قليلة من «المستهلكين» تهدر ضعف هذا الرقم سنوياً.

ولا أشك أن رمضان المبارك من الأشهر الأكثر هدراً في المواد الغذائية بمختلف أنواعها، في المنازل والمساجد والمطاعم والاستراحات، كيف نعمل على ترسيخ الرشد الاستهلاكي؟ الرشد النابع من داخل الفرد هذه المهمة الجليلة ليست مستحيلة إذا ما توافرت لها المعطيات المناسبة. أولها وفي مقدمها صناعة وإبراز القدوة الحسنة الحقيقية وليست المفتعلة والباحثة عن الشهرة والتمجيد الزائف.

بقلم: عبدالعزيز السويد - الحياة