قيم العصور الوسطى للتصدير

 من الصعب أن تفهم معنى أن تقوم دولة بتصدير ثورتها للخارج. يمكن القول إن الثورة الفرنسية هي أعظم ثورة حدثت في التاريخ. غيرت كل شيء دون أن يعمد أحد من الفرنسيين إلى تصديرها. تصدير الأفكار والإنجازات الإنسانية يتم عبر النماذج. اصنع من نفسك نموذجاً يحتذيه الناس ويقلدونه.

كان إسقاط الشاه حسب معايير السبعينات عملاً تاريخياً. أسهم فيه الشعب الإيراني بكل أطيافه بمساندة الإعلام العالمي والضغوط الدولية. تماماً كما حدث مع مصر حسني مبارك. قد لا تعرف الأجيال الجديدة أن الفضل في سقوط شاه إيران يعود في جله للعلمانيين والليبراليين والشيوعيين. جاءت مشاركة رجال الدين متأخرة. ساعة قطف الثمار. تأسست الثورة على وعود الستينات الجميلة التي تنطلق منها كل الثورات. خلطة لذيذة من مسكنات التاريخ الحالمة. العدالة وحقوق الإنسان والرخاء واحترام المرأة الخ. وعود اعتمدها الخميني كدليل لينفذ عكسها في إيران اليوم. بدأ بأركان الثورة ووقودها. أتخم الشعب الإيراني بالإعدامات. ما الذي تملكه إيران اليوم قابلاً للتصدير. أربعون سنة ذهبت في صراعات لا معنى لها ولا أفق لنهايتها. بدأت بتصفية الخصوم وانعدام روح التسامح والانتقام. ثم حرب عبثية دامت ثماني سنوات هدفها إسقاط رئيس دولة واحتلال عاصمة أجنبية. ثم صراع مع الغرب كلف إيران ثلاثين سنة من توقف التنمية وازدياد حالات الفقر وتفشي المخدرات والبغاء.

نشهد اليوم دعماً إيرانياً لكل الميليشيات والقوى الخارجة عن قانون دولها ونظمها الاجتماعية كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي وغيرها من المنظمات المسلحة.

ما هي الثورة التي تريد إيران تصديرها. أولى موادها تكريس الطائفية على المستوى الدستوري وتصدير الحروب. إذا أرادت إيطاليا الاحتذاء بها فعليها أن تسطر في دستورها أنها دولة مسيحية كاثوليكية وأن يصبح بابا الفاتيكان مرجعها في كل أمورها. وبالتعاون مع أخوتها الأوروبيين تعيد إحياء فكرة فرسان الهيكل كميليشيات تمثلها في الصراعات وأن تعتمد الجهاد الصليبي الذي لا ينتهي مع الشعوب الأخرى. ان تكون حرباً تعود إيطاليا بفضلها قرونا من الزمان.

كيف نفسر رغبة الملالي في تصدير ثورة من هذا النوع. من يقبل أن تأتي ثورة طائفية لتمنحه قيمة إنسانية. الطائفية تعني حرب إخضاع لا نهاية لها. ليس بيني وبين عدوي الطائفي أي مشترك دنيوي يمكن أن نتفق عليه أو نتقاسمه. ليس بيننا سوى أن يسحق أحدنا الآخر. ففي اليمن مثلاً قدمت إيران المساعدة الكبيرة للطائفة الحوثية على حساب مكونات اليمن الأخرى. كان يمكن أن نفهم لو كان الحوثيون طائفة مضطهدة. عندئذ سيكون من النبل أن تمدها إيران بالمدارس والمعاهد والمستشفيات وتقدم لها الحماية الدولية والدعم السياسي. بيد أن كل ما حصل عليه الحوثيون من إيران هو السلاح وتكريس المذهب. كم كلف هذا التصدير إيران والسعودية واليمن ودول الخليج والحوثيين أنفسهم، وماذا ترك في النفوس للمستقبل؟


بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض