لا تكن فرداً من القطيع
نتحدث كثيرا عن «تفكير القطيع» و»روح القطيع» و»التصرف بأسلوب القطيع»..وحين تسمع مصطلحات كهذه تعتقد أنك بدع من القوم، وليس لك دخل في الموضوع.. تعتقد أنك شخص مستقل ومميز وبعيد عن التصنيفات والانضمام لأي «قطيع» من أي نوع..
ولكننا في الحقيقة مخلوقات اجتماعية لا يمكننا التصرف أو التفكير باستقلالية كاملة. فأنت شئت أم أبيت لابد أن تنضم فكريا أو عاطفيا لمجموعة تتفق معك في أغلب الآراء والأفكار.. شئت أم أبيت تستقطب حولك أشخاصا يتصرفون مثلك ويؤيدون أقوالك وأفكارك وادعاءاتك.. لا يمكنك أن تكون مستقلا لأن 99% من شخصيتك موروثة أو منسوخة أو تشكلت من خلال بيئتك والناس الذين نشأت معهم..
وهذه النسبة ليست كبيرة لأنك (في المقابل) لا تملك الكثير من الآراء والأفكار والاعتقادات الأصيلة التي لم يسبقك بها أحد من العالمين (وإن كنت مخطئا، أخبرني الآن بواحدة فقط؟!)..
فالحقيقة هي أن النسبة ليست كبيرة لأنك تربيت على رفض وتأييد، تصديق وتكذيب، حب وكره، أشياء كثيرة ورثتها من مجتمعك أو والديك أو الناس حولك.. الأفكار والآراء والاستنتاجات التي اكتشفتها بنفسك أو تمردت بها على مجتمعك لا تتجاوز 1% من بنائك العقلي والفكري والإيماني (وقد تزيد النسبة أو ترتفع قليلا بحسب الثقافة والتعليم والمرحلة العمرية)..
والطوائف الثقافية (أو القطعان إن ناسبتك التسمية) لا تظهر من العدم أو تصمم عن سابق إصرار؛ فهي تنشأ كتكتلات تلقائية من خلال تجمع الميول والأفكار المشتركة.. ولأنك تملك مثل غيرك ميولا وأفكارا مشتركة فلا يمكنك ببساطة أن تكون فردا مستقلا.. فجميعنا منضم دون أن يدري إلى مجموعة فكرية أو اجتماعية أو مهنية أو حتى أقرباء وصحبة قديمة تؤكد آراءك وصحة أفكارك فترتاح لتواجدك بينها..
.. وبطبيعة الحال؛ لهذا الانضمام سيئات وحسنات يصعب تجاهلهما: فمن سيئاته أن المجموعة بطبيعتها تؤكد كل ما تفعله وتؤمن به فتشعر أنك دائما على حق حتى حين تكون على باطل.. فأصحاب المجموعة المتجانسة يلتفون حول نفس الاعتقادات وذات الأفكار والطروحات لدرجة يرون العالم بأكمله خاطئا.. يصعب على العضو معارضة أفكارهم ومعتقداتهم (حتى حين يكتشف خطأها) بدليل وفاة 99% من الناس في كافة المجتمعات على ذات المعتقدات والديانات التي ولدوا فيها أصلا...
وفي المقابل هناك حسنات لايمكن إنكارها لانضمام الفرد للمجموعة.. فميولك وطموحاتك مثلا تصبح أقرب للتحقق من خلال المجاميع الكبيرة.. فمن ينضم لطائفة (كمن ينضم لناد أو نقابة أو هيئة مهنية) يسعى أولا لحماية نفسه، وثانيا لزيادة قوة تأثيره وتحقيق تطلعاته من خلال مجموعة تملك أفكارا مشتركة...
.. باختصار شديد؛ استقلالية الإنسان، وتفرده عن بيئته يكادان يكونان في حكم النادر.. فنحن شئنا أم أبينا ننتمي إلى (قطيع ما) بصرف النظر عن تسميته.. وأفضل ما يمكننا فعله (وأنصح الجميع بفعله) هو أن ندرك أولا هذه الحقيقة داخلنا، ثم نحاول رفع نسبة أفكارنا الأصيلة وآرائنا المستقلة، من خلال نقد وإعادة فرز أفكارنا الموروثة أو المقتبسة من الغير..
وتصبح بالفعل شخصا مميزا بل وفريد زمانك بمجرد نجاحك في النزول بنسبة أفكارك الموروثة والمقتبسة إلى 90% فقط... وأين تجد إنسانا يملك 10% أفكارا أصيلة لم يسبقه بها أحد من العالمين؟!
بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض