قبل وبعد الزواج

قرأت ذات يوم دراسة ألمانية خلصت إلى أن أسعد مرحلة في عمر الإنسان هي ال(6) أشهر التي تسبق الزواج وال(6) أشهر التي تلي الزواج..

ورغم قصر المدة إلا أنها أطول بكثير مما يحدث في مجتمعنا المحلي حيث لا يتعرف الزوجان على بعضهما أصلاً قبل الزواج، ويصطدمان نفسياً فور انكشاف طرحة العروسة بعد الزواج..

المؤكد أن مرحلة (ما قبل الزواج) تختلف عن مرحلة (مابعد الزواج) بحسب تجارب العشاق.. فنحن لم نكن لنسمع عن "قيس وليلى" و"روميو وجولييت" و"جميل بثينة" أو "عنترة وعبلة" لو أن علاقتهما انتهت بالزواج مثل بلايين البشر.. ما يحفظ قصص المحبين والعشاق هي المأساة التي لم تنته بدخول قفص الزوجية.. فبعد عقد القران وانصراف المعازيم تصبح القصة مكررة ولا تهم غير أصحابها.. وبعد أن تنجب الزوجة يمكنها الموت بمجرد وصولها لسن اليأس (كما في معظم الثدييات) أو يموت الزوج بمجرد التلقيح (كذكر النحل أو العنكبوت) فلا أحد في النهاية سيتذكر المتزوجين والمتزوجات كما يتذكر العاشقين والعاشقات..

قد تبدأ الحكاية كعاشقين ولكنها تنتهي بزوجين يخفت الحب بينهما بمرور الزمن.. فمستوى الحب والغرام (وهيام ماقبل الزواج) يصبح في خبر كان بعد عام أو عامين من دخول القفص الذهبي.. وأنا لا أتحدث هنا عن المودة والعشرة الطيبة بين الزوجين التي قد تستمر طوال العمر بل عن اختفاء الهيام ولوعة العشق والغرام من نمط قيس وليلى وروميو وجولييت..

فخفوت هذه النوع من العشق يعود إلى تغيرات كيميائية حقيقية تجري في الدماغ، وبالتالي قد تستعصي على نصائح خبراء الأسرة والعلاقات الزوجية.. وهذه الحقيقة تم التأكد منها من خلال تجارب ودراسات كثيرة حول العالم؛ فمن جامعة بافيا الإيطالية مثلاً أجرى الدكتور إنزو إيمانويل تجربة طريفة أكدت علاقة العشق بكيميائية الدماغ. فقد درس 300 طالب (تتراوح أعمارهم بين 18 و31) لكشف مستويات الحب لديهم وتأثير ذلك على أدمغتهم. وقد قسمهم إلى ثلاثة أقسام: الأول واقع في الحب حديثاً (أقل من شهر) والثاني عازب وخالي البال من أي ارتباط عاطفي، والثالث واقع في الحب منذ فترة طويلة (عام وأكثر)..

.. وقد أجرى على الجميع مختلف التحاليل والاختبارات العصبية واكتشف في النهاية أن المحبين حديثاً يملكون مستوى عالياً من بروتين عصبي (يدعى اختصارا NGF).. وهذا البروتين مسؤول عن حث الأعصاب على النمو ورفع نسبة التواصل بين الخلايا الدماغية نفسها. وارتفاع مستواه لدى المحبين الجدد قد يكون مسؤولاً عن رفع نسبة الحساسية والمشاعر المفرطة بينهم؛ نتيجة فرط التوصيل بين المناطق الدماغية العاطفية ذاتها..

.. ورغم كل هذا.. ولأننا بشر (ولسنا عناكب نأكل بعضنا بعد التزاوج) لا أنكر أن الحب يظل حالة محتملة حتى بعد الزواج.. فالحب من الأساس حالة سامية وخاصة بالبشر دون بقية المخلوقات.. وحين قيل ليحيى بن معاذ إن ابنك قد عشق فلانة، قال: الحمد لله الذى صيّره إلى طبع الأوادم.. وليس أدل من تقدير العرب لهذه العاطفة من أنهم قسموا الحب (كما ذكرت في مقال سابق) إلى عشر مراحل تبدأ بالحب ثم الهوى فإذا زاد سمّي الكلف ثم العشق ثم الشغف ثم الجوى ثم التيم ثم مرض يدعى التبل ثم اضطراب في العقل يدعى التدلية حتى ينتهي بالهيام حيث يهيم المحب على وجهه كالمجانين.. وهنا تنتهي تصنيفات العرب لمراحل الحب بعقد القران وإسدال الستار وختم الباب بشعار "البيوت أسرار"!

... وخلف الباب تنتهي الرومانسية وتبدأ البيولوجيا ونعيش أطول تجربة في الحياة.. في حين يبقى الحب حالة محتملة...


بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض