الاغتراب الصحوي

من أهم المصطلحات التي يتذكرها مثقفو الثمانينيات مصطلح الاغتراب.. دار هذا المصطلح وعبر عن كثير من الأعمال الإبداعية التي أنجزت في ذلك الزمن.. أضاء فضاء ثقافيا جديدا فارق كثيرا من الأساليب وطرق التفكير المعتادة.. كان مصلحا شبابيا مستوردا.. إذا عرفنا أن حركة الحداثة نبته غريبة.. من سوء حظها أن أنبتها قدرها في الزمن الذي جرت فيه أحداث سياسية كبيرة في المنطقة وفي العالم.

كان الرئيس الأميركي رولاند ريغان في حاجة إلى تديين كل القوى اليمينية على مستوى العالم لإسقاط عدوه الاتحاد السوفييتي الذي يقف إلى جانبه اليسار العالمي. سقط الاتحاد السوفييتي وعادت الشعوب إلى مسيرتها التاريخية الطبيعية عدا كثير من المجتمعات الإسلامية.

الاغتراب هو الشعور بأنك لست جزءا من مجتمعك الذي يفترض أنك تنتمي إليه أو من طبقتك.. الأكثر مرارة أن تشعر بالاغتراب في العالم.. تشعر أنك خارج المنظومة الإنسانية.. في حالة تناقض وتقاتل مع توجهات الإنسانية في العصر الذي تعيش فيه. لكل عصر فنونه وآدابه وملابسه وطرق تفكيره ومع ذلك تكون معاديا له ومنغمسا فيه وفي حاجة إليه ولا أمل لك بالخلاص منه في الوقت نفسه.

يمكن نقل مصطلح الاغتراب اليوم من طبيعته الأدبية التي تظاهر فيها في زمن الحداثة إلى طبيعة أخرى أكثر تأزما.. في أدبيات الصحوة تم تكريس أن كل شيء في عالمنا الجديد الذي نعيشه خطأ ومصمم ضدنا وأن كل ما يفعله الغرب من إنجازات أو اتفاقيات إنسانية أو معاهدات تستقصدنا، وأن الحرب علينا لا يمكن إيقافها إلا بالحرب المضادة.. ولأن النصر في كل الحالات أمر غير مرغوب فيه فالنصر على الغرب يعني عودة البشر إلى الأمراض والأوبئة والتنقل بالدواب والحرمان من كل أشكال التقنية التي ننعم بها.. إلى آخره.

ما الذي يمكن ان نتوقعه لو انتصر الصحويون وحكموا العالم؟ الحرب على الغرب في الوقت نفسه تحت أي محاولة لا نصر فيها. هذا التناقض أنشأ حالة من الاغتراب والانكفاء عن العالم الذي نعيش فيه.. يعيشون في العالم الحديث ولكنهم لا يعيشون فيه، يتمتعون بإنجازات الغرب ويرفضون الاعتراف بذلك، يتولاهم الغرب بعنايته عندما تنهار دولهم ويدير الأعمال نيابة عنهم لكنهم يتهمونه بالتآمر.

ولأنهم عاجزون عن الخروج إلى عالم يخصهم أو ينقذهم من تسلط عدوهم الافتراضي ولدوا بوابة اسمها الشهادة.. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها إنقاذ وعيهم المغترب. إذا بحثت في أمر الشهادة فلن تجد لها أي بعد ديني من الذي يأمر بحفظ النفس والإذعان للأمر الواقع ولكنها حالة انتحار تتذرع بالدين.. يمكن أن نرى ذلك في أديان أخرى.. في أواخر السبعينيات قاد رجل دين مسيحي يدعي جون جيمس مجموعة من المؤمنين تحت اسم مجموعة المعبد.. الذي يقرأ عن هذه المجموعة لن يجد فرقا كبيرا في حالة الاغتراب التي تعاني منها جماعته مع اغتراب الصحويين في عصرنا هذا.. الطريق الوحيد للنجاة من هذا العالم المعادي هو الموت.. وإذا كان خطاب جون وأمثاله وجد من عقلنه وألغاه فإن خطاب الصحوة وفّر آلافا من الدعاة يستفيدون من استمراره فأخذ بعدا سياسيا انتحاريا.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض