المستشار والدكتور

 لم تتحول شهادة الدكتوراه إلى وسيلة للوصول وتحقيق الأحلام الشخصية، إلا بعد أن احتضنها الرسمي أي الجهاز الحكومي، وكبّر من شأنها إدارياً، وصنع من حولها هالة، وفي هذا - بحسب فهمي المتواضع - بساطة تفكير ناتجة من قناعة أن «الدكتور» يعالج ويصف الدواء!

كانت النتيجة من ذلك الحضن الدافئ والمصعد السريع، أن أصبح السعي لنيل هذه الشهادة هو عنوان «الحلم السعودي»، وكيفما اتفق، وبأي وسيلة، وانتشر هذا حتى لدى الأجانب العاملين في البلاد، ومع الطلب المرتفع توالدت شهادات مزورة أو مهترئة، وفوقها «رجاحة» شهادات سليمة، لكن من يحملها لا يحمل سوى الورقة الموثقة، بمعنى أن الحصول على شهادة ما، لا يعني القدرة على إيصال وتوصيل العلم الذي يفترض أنها تشهد بحيازته، واستيعابه وفهمه وإدراكه. أما إذا دخلت إلى حياض الإدارة، فمن المؤكد أن لذلك عناصر نجاح أخرى لا علاقة لها بالشهادة. والتنمية في بلادنا تدار من الدكاترة أكثر من غيرهم منذ زمن بعيد نسبياً، منذ أول وزارة دكاترة، والنتيجة أن شهادات الدكتوراه تتزايد والتنمية على الحال الذي تعرفونها من التعثر، وعدم استباق الحاجات حتى تتحول إلى معضلات يتم التكسب منها.

الحديث عن شهادة الدكتوراه وأثرها على المجتمع يطول، ويستحق مجلدات، لأنها وضعت أناساً في مواقع ليست لهم من ناحية الكفاءة والقدرة الإدارية، ونتج من ذلك - وهذا هو المهم - ضرر عام، مع تعطيل وحجب لكفاءات أكثر قدرة من الوصول خوفاً منها. إنما الموجة الجديدة مع «الدكتوراه» هي موجة المستشارين، وسندفع ثمناً لهذه الموجة الكاسحة، إذ يجري الآن توظيف مستشارين في كثير من الأجهزة الحكومية تحت غطاء برامج وتطوير إلى آخر ما هو رائج، وليسوا بالضرورة أجانب بل مواطنين، ومربط الفرس في مدى الحاجة والتنفع والتنفيع وحقيقة الكفاءة، وأصبح بعضهم مراكز قوى داخل هذه المؤسسات الحكومية، وهكذا يتم من خلال مزيد من التعاقدات والرواتب المرتفعة العمل لترشيد الإنفاق والتقشف! والعبد الضعيف إلى ربه يفهم أن الترشيد يعني - وعلى سبيل المثال - أن تخفف من تناول العشاء من المطاعم وتطبخ في المنزل، وليس أن تتعاقد مع شركة لتجهيز المطاعم!

بقلم: عبدالعزيز السويد - الحياة