ركام الأوهام

الانتماء ضرورة إنسانية توفر لنا الدفء والأمن والإحساس بالطمأنينة. لا يمكن لإنسان أن يخرج من الانتماء لأمة أو دين أو حتى طائفة، بيد أن معظم الانتماءات التي يعيشها الإنسان ليست اختيارية وليست كلها مفيدة وبعضها ليس حقيقيا.. الانتماءات مجال رحب للاستغلال والمتاجرة وإنتاج المصائب أيضا. خلاف الانتماءات الداخلية كالعائلة والقبيلة والمنطقة ثمة انتماءات للمواطن خارجية ودولية لم تختبر أبدا. لم تختبر حدودها وإمكاناتها او مدى المتاجرة بها.

إذا تجاوزنا القوى من خارج المنطقة: أميركا وأوروبا وروسيا سنقول دائما إن القوى المحلية المتصارعة على الأرض السورية (على سبيل المثال) هي تركيا إيران إسرائيل والعرب. في معظم المقالات والدراسات سنجد ان هناك إيمانا صلبا بهذه التقسيمة إلى درجة ترقى إلى البدهية. لم أقرأ من يحاكم هذه التقسيمة ابدا.

تركيا دولة لها علم ولها رئيس محدد الاسم ولها برلمان ولها حدود سياسية ومندوب واحد في كل منظمة دولية يمتثل لذاك الرجل القاعد في انقرة. وهذا أيضا ينطبق على إسرائيل وإيران. عندما نقول إن لتركيا أو إسرائيل أو ايران أطماعا في سورية نستطيع أن نحدد هذه الأطماع أو أن نتنبأ بها ونحللها ونجد من نتفاوض أو نتقاتل معه حولها. هذا يلقي امامنا بسؤال مهم يتوجب علينا البحث فيه بجدية. من هو الطرف الرابع في هذه المعادلة المسمى عرب؟

منذ اكثر من ثلثي قرن ونحن نسمع أن ثمة أمة عربية. ما يجمعها أكثر مما يفرقها. لغة وتاريخ وأماني.. الخ.

عندما نلتفت للواقع سنجد أن الاضطرابات تحدث على ارض العرب وأن الاطماع الأجنبية موجهة لأرض العرب وأن التفكك لا يهدد سوى أرض العرب.. فأين تقع المشكلة؟ (طبعا غياب الوحدة والتنسيق الى آخر الكلام الذي سمعناه أكثر من نصف قرن).

في كثير من الأحيان تنتابني هواجس بعيدة. المسألة بالنسبة لي لا علاقة لها بالسياسة أو بالواقع بل تنتمي إلى الوهم. ما نسميه العرب مجموعة من الدول المستقلة. صلتها ببعضها كصلتها ببقية الدول في العالم. علاقة مصر بالجزائر تحددها محددات دولية لا علاقة للمشترك الثقافي بها وهكذا علاقة العراق بالسودان وعلاقة ليبيا بتونس.. الخ.

لو قرأنا الموقف من الصراع في سورية سنعرف هذه الحقيقة ونحن في الواقع نعرفها ولكننا تحت الضغط العاطفي والأيدلوجي الموروث نتجاوزها ونتحدث عن شيء مشترك اسمه العرب. مشكلتنا الانتماءات الوهمية. انتماء غير موجود. مجموعة من الدول عاجزة حتى عن إقامة بطولة رياضية مشتركة أو قاموس لغوي مشترك أو مقاييس ومعايير مشتركة أو حتى اتفاق أمنى مدني.

ارجو ألا يفهم أحد بأني أتباكى وأدعو إلى الوحدة بالعكس فأنا ادعو إلى النظر إلى الاحداث والمصالح بمنظار واقعي تحدده الحقيقة الماثلة أمامنا لا الأماني والأحلام والأيدلوجيا.

(ما هو موقف لبنان العروبة قبل أيام؟).

حقيقة الأمر أن كل دولة عربية (صغرت أو كبرت) تتصارع في هذا العالم وحدها. لا تجد عونا من دولة عربية أخرى إلا إذا كانت المصالح تفترض هذا التقارب. كلنا يعرف هذه الحقيقة ولكننا نهملها حماية للأحلام والأوهام التي نغرق فيها دون توقف. لو درس المرء أي تقارب حدث بين دولة عربية وأخرى عبر التاريخ سيرى أن هذا التقارب حددته المصالح حينها وربما انفض مع نهاية المصلحة آنذاك.

مصلحة الشعب الجزائري مع فرنسا أهم من مصالح الجزائر مع الدول العربية بأسرها، وهكذا مع كل دولة عربية. وإذا اردنا ان نمضي بالبحث في الأوهام نفس السؤال سيمتد من هي الأمة الإسلامية ومن هم أهل السنة.. الخ.

من العبث أن نعتمد في معادلات حياتنا الخطيرة على شيء لم يوجد أبدا ونتعامل معه كحقيقة. نحن وحيدون في هذا العالم، وعلينا أن نقر بهذه الحقيقة ونبني استراتيجياتنا على ذلك إذا اردنا النصر الحقيقي.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض