السعادة لا تأتي من الخارج

هناك أشخاص يصعب عليك نسيانهم لأنهم ببساطة منحوك موقفاً استثنائياً لا ينسى.. ويحدث هذا بمعدل سريع حين تتواجد خارج بلدك كون المواقف (سواء السلبية أو الإيجابية) تتوالى على المسافر بطريقة أسرع مما يحدث في بيئته المحلية (التي تتميز بالبطء والأمان)...

مازلت أتذكر موظفة الاستقبال في فندق أوسلو التي سألتها صراحة: لماذا تبدين سعيدة وضاحكة بشكل دائم؟.. فقالت: لأن كل يوم بالنسبة لي بداية حياة جديدة؟

.. لم أستطع نسيان هذه الجملة وحقيقة أن كل يوم يمثل هدية إلهية جديدة وتاريخاً يبدأ من الصفر (وهذا ما أصبحت أدعوه بالوصفة النرويجية).. وفي المقابل لم أستطع منع نفسي من التفكير في شخصيات كئيبة تعتقد أن الوجوم من علامات الوقار، ونسيت أن تبسمك في وجه أخيك صدقة...

أنا شخصياً لم أصدق يوماً أن السعادة تربط بالمال أو الثقافة أو حتى الإيمان.. لو كانت ترتبط بالمال لما رأيت الفقراء يبتسمون حول العالم.. ولو كانت تربط بالإيمان لما شقي الأنبياء أو توزع السعداء بين آلاف الديانات والمعتقدات.. لو كانت تربط بغزارة العلم والثقافة لرأيت المثقفين والعلماء هم أكثر الناس سعادة وانشراحاً (بل قد يكون العكس هو الصحيح كما قال المتنبي: ذو العَقل يشقى في النعيمِ بعقله.. وَأخو الجَهالةِ في الشقاوَة ينعمُ)..

وفي المقابل رأيت بؤساء ومسحوقين في دول فقيرة يفترض بهم الوجوم وأحيانا الانتحار ولكنك تستغرب من كمية السعادة ومساحة الابتسامة التي تبدو على وجوههم!!

في سنة من السنين كنت ضمن المستقبلين لضيوف خادم الحرمين الشريفين القادمين من غزة لأداء مناسك الحج.. للوهلة الأولى توقعت رؤية مظاهر حزن وانكسار وألم بسبب حالة الحرب والحصار الذي تفرضه عليهم إسرائيل في ذلك الوقت.. ولكنني اكتشفت أنهم أكثر منا سعادة ومرحاً وتسامحاً، وتسمع ضحكاتهم من بعيد..

الحقيقة هي أن التعاسة (مثل السعادة) لا يمكن لأحد أن يفرضها عليك من الخارج.. السعادة (مثل التعاسة) تنبع من الداخل وتعتمد على موقفك وطريقة تفكيرك ونظرتك للحياة.. فلكي تعيش سعيداً لا تعتقد منذ البداية أن المال والمنصب أو (أموراً صعبة التحقق كأن تصبح وزيراً أو مليارديراً) ستمنحك السعادة وراحة البال.. انظر للاتجاة الصحيح لتكتشف أن هناك أشياء أصغر وأرخص تمنحك قدراً موازياً من السعادة والرضا (كتقبيل رأس والدتك، وتواصلك مع أصدقاء دراستك، أو حتى رؤية توم وجيري مع أطفالك)...

إن أردت العيش سعيداً وخالي البال توقف عن الاهتمام بما يفعله الناس وماذا يملكون وكيف يتصرفون بحياتهم الخاصة.. لا تقارن نفسك بأحد ولا تهتم برأي أحد وارفض ما يعكر مزاجك بألطف طريقة ممكنة..

توقف عن الندم، ومراجعة أخطاء الماضي، واستيقظ كل صباح وكأنك منحت حياة جديدة.. لا تشغل بالك بخلافات تاريخية أو طائفية أوعقائدية بدأت قبل قرون من ولادتك ف(الله يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون).

وكي لا تعيش في هم وغم وتأنيب الضمير لا تشغل بالك بالصغائر (التي يغفرها الله من صلاة لصلاة وجمعة لجمعة ورمضان لرمضان) ومن قال لك هلك الناس فقد أهلكهم..

لا تتحرج من إمتاع نفسك والترويح عن قلبك والاستماع بمباهج الحياة (فما يجلب الرعب والكآبة فعلاً هو الأحاديث المكذوبة حيالها)...

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض