نعم، ترضينا الحياة!

في معرض كتاب جدة، وبعد الموقف الذي اعترض فيه أحد الحضور على إلقاء شاعرة سعودية قصائدها أمام الرجال، وصراخه في الحضور بعد محاولة إخراجه من المسرح: يرضيكم يا إخوان؟ فأجابوا بأصوات متفرقة: نعم يرضينا، حتى تحولت هذه العبارة إلى أيقونة جميلة للحياة، أيقونة للتصويت المباشر والحر.

من غير صناديق الاقتراع، حول سلوك اجتماعي طبيعي في العالم كله، إلا عندنا، وهو أن تتواجد امرأة في مكان الرجال، وأن تقرأ قصائدها مباشرة أمامهم، تقرأ صورة وصوتاً وروحاً، دون أن تستخدم الدائرة التلفزيونية المغلقة، ودون أن تجلس في الخلف، أو وراء حاجز، فجاء هذا التصويت العلني المباشر من شريحة اجتماعية محددة، ليوقف التدخل السافر في حياة البشر، وفي إطار بيئة اجتماعية إسلامية محتشمة!

ولو لم تأتِ هذه اللحظة الحاسمة، في هذا الزمن المفتوح والعلني، لضاعت مثل مواقف أخرى غيرها، لم ينصفها الإعلام التقليدي، حينما كان هو مصدر المعلومة الوحيدة، إذ يتحفظ كثيراً على نشر أخبار كهذه، لكن هذا الموقف الجماعي، الذي أجاب بنعم للحياة الطبيعية، جاء في زمن التواصل الاجتماعي المفتوح، في زمن «السوشال ميديا»، الذي يتنفس في جيوبنا، عبر هواتفنا الذكية، تلك التي جعلتنا أيضاً أذكياء، نميز بين العقل واللا عقل، بين الصواب والخطأ، بين الاعتدال والتطرف، فلم يعد لزمن الحجب والتلقين مكان في هذه الأجهزة الذكية، هذه الأجهزة العجيبة تفكر بوعي، حتى جعلت من يحملها يفكر أيضاً بوعي ورؤية!

قد يكون مثل هذا الموقف أقل تأثيراً، لو كان مكتوباً في صحيفة ورقية، منقحاً ومهذباً، لكنه كان مسجلاً كمقطع فيديو خام، ومن غير مونتاج، قبل أن تزداد سخونته بحمَّى تويتر.

كذلك قد يقتصر تأثير هذا الموقف على الحجاز فحسب، لو لم تتوفر هذه «الميديا» المجنونة، لتصل به إلى أصقاع العالم، وليس إلى أنحاء المملكة فحسب، فمن هنا أصبحت عدوى الموقف قابلة للانتقال إلى مختلف مدن المملكة وقراها.

هذا الانتقال السريع، الذي يطير في لحظات إلى العالم كله، لا يحتاج تأثيره إلى سنوات، كما في عصر أشرطة التسجيلات الصوتية، بل تأثيره يتم خلال أيام، وربما ساعات، كما لا يقتصر تأثيره على فئة عمرية محددة، وإنما يستهدف جميع الفئات العمرية، ومن الجنسين، بل إن الفئات الشابة، النشطة، المؤثرة في المجتمع، باتت تتلقى رؤيتها وأفكارها من عالم أوسع، وبلغات أخرى، حتى أن مثل هذه التصرفات التي تحاول التحكم في سلوكهم، وفي أسلوب عيشهم، أصبحت بلا قيمة بالنسبة لهم، ولا تتناغم مع روح العصر الرقمي الذي ينتمون إليه!

بقلم: يوسف المحيميد  - الجزيرة