ماذا قال ابن خلدون عمّن يحكم العرب؟

في آخر مقال عبرت عن رأيي بأن العرب لا يجمع شتاتهم غير طاغية ظالم، أو ملك حازم.. لم أغلق الباب أمام الديمقراطية واعترفت بالنص (وقبل أن يتهمني أحد بمعاداة الديمقراطية) أنها أرقى أشكال الحكم في عصرنا الحاضر ولكنني نبهت الى أنها قبل أن تكون شكلا من أشكال الحكم تربية، وثقافة، وقناعة، ورضا بحكم الأغلبية.. وهي مفاهيم غائبة حتى على مستوى العائلة..

عرب اليوم حين تزيل عنهم كافة المظاهر المدنية والاستهلاكية المعاصرة لا يختلفون كثيرا عن أجدادهم بدليل عودتهم السريعة إلى الفرقة والتناحر بمجرد زوال سلطة الدولة وحزم السلطان، كما رأينا في ليبيا وسورية والعراق..

وخلال كتابتي لمقال الأمس كنت أنوي الاستشهاد بما قاله ابن خلدون بهذا الشأن، غير أن ضيق المساحة منعني من ذلك (خصوصا أن الرجل يسهب في كلامه لدرجة تحولت مقدمته الى كتاب).. ونظرا لأهمية ما قاله ابن خلدون قررت تخصيص هذا المقال لإطلاعكم على رأيه فيمن يصلح لحكم العرب:

- ففي مقدمته المشهورة جاء في الفصل السابع والعشرين قوله: ".. العرب لا يحصل لهم الحكم والملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين.. والسبب أنهم أصعب الأمم انقياداً بسبب الغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة وقلما تجتمع أهواؤهم. فإذا كان الحكم بالدين أو الولاية ذهب عنهم خلق الكبر والمنافسة فسهل انقيادهم واجتماعهم... فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يدعوهم للقيام بأمر الله ويذهب عنهم مذمومات الأخلاق ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق يتم اجتماعهم ويحصل لهم الغلبة والملك..".

كما جاء في الفصل الثامن والعشرين قوله: ".. العرب أبعد الأمم عن السياسة وذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم.. يصعب انقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك ورئيسهم محتاج إليهم للعصبية والمدافعة، فكان مضطراً إلى إحسانهم وترك مراغمتهم لئلا يختل عليه شأن عصبيته، فيكون فيها هلاكه وهلاكهم. وسياسة الملك والسلطان تقتضي أن يكون السائس لهم بالقهر وإلا لم تستقم سياسته..".

.. ويقول أيضا: ".. والعرب من طبيعتهم أخذ ما في أيدي غيرهم.. فإذا ملكوا أمة من الأمم جعلوا غاية ملكهم الانتفاع بأخذ ما في أيديهم وتركوا ما سوى ذلك من الأحكام بينهم.. فتبقى تلك الأمة كأنها فوضى مستطيلة فلا يستقيم لها عمران وتخرب سريعاً شأن الفوضى كما قدمنا..".

ومن أجل ذلك بعد طبع العرب عن السياسة ولا يصيرون إليه إلا بعد انقلاب طباعهم وتبدلها بصبغة دينية تمحو ذلك.. ولما شدد لهم الدين أمر السياسة تتابع فيها الخلفاء وقوي سلطانهم... وكان الملك رستم إذا رأى المسلمين يجتمعون للصلاة يقول: علم عمر الكلاب الآداب.. ولكنهم بعد ذلك انقطعت عنهم الدولة، فنسوا السياسة، وعادوا للتوحش كما كانوا، ولم يبق لهم من اسم الملك إلا أنهم من جنس الخلفاء الراشدين...(انتهى كلامه)!

وأنا مثلكم أيها السادة؛ كنت أتمنى لو كان ابن خلدون مخطئاً في كلامه هذا.. غير أن ما قاله قبل ستمئة عام مازال ينطبق علينا هذه الأيام، زمن الدواعش والحوثيين وتداعيات الربيع العربي.. كنت أتمنى مخالفته وتفنيد ادعاءاته لولا عودتنا الدائمة للتقاتل والتناحر كلما زالت سلطة الحاكم، وخفت سلطة الدولة وتحول الدين إلى فرق ومذاهب ومليشيات مسلحة..

.. هل ينكر أحد أن ثقافة داحس والغبراء مازالت تعيش بيننا؟!


بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض