كيف واجهت السعودية القاعدة؟

على مدار ثلاثة أيام بثت قناة العربية فيلماً وثائقياً يحمل العنوان ذاته، ويتناول تفاصيل القصة الكاملة للمواجهة مع التطرف، تلك القصة التي كانت غائبة لسنوات بمشاهدها النادرة وأحداثها المروعة التي رصدتها الجهات الأمنية بانتظار جمعها وتنسيقها بهذا الشكل المميز الذي ظهر في الفيلم.

في البداية لا بد من الإشادة بهذا التوثيق المتميز للإدارة المعنية بذلك في وزارة الداخلية فقد تمكنت من الاحتفاظ بمئات المواد الفيلمية والتسجيلات التي عثر عليها في أوكار عناصر القاعدة الذين ظنوا بأنها لن تظهر للعلن إلا بعد تصفيتها واختيار ما يخدم دعايتهم منها.

لكن دون رتوش أو مونتاج أظهرت تلك الأفلام الحقيقة الكاملة لهؤلاء المتطرفين الذين يظهرون دائماً عبر مواقعهم ومقاطعهم المصورة بمظهر الشجاع الواثق بما يرتكبه من إزهاق للأرواح وتدمير للوطن باسم الدين، بينما هم في الواقع أشبه بشجرة جوفاء أو وعاء فارغ تمت تعبئته بأفكار العنف والقتل والتدمير.

يكفي أن تشاهد الحوار الذي سجله أحد عناصر القاعدة مع عبدالعزيز المديهش الإرهابي الذي نفذ العملية الانتحارية التي استهدفت مبنى الأمن العام في الوشم في الرياض عام 2004 م لتدرك مدى غباء وسذاجة هذا الشخص الذي قام بعمل إجرامي لا يعي حتى السبب الحقيقي الذي دفعه لارتكابه.. تابع معي تفاصيل الحوار:

الإرهابي وراء الكاميرا: يقال إن في استهدافكم للصليبيين والتفجير في بلاد الحرمين فيه مفاسد كثيره على الإسلام والمسلمين.. فما ردكم؟

الانتحاري يسكت قليلاً ثم يجيب: والله ماني عارف الجواب.

مانت مركز أنا عارف،

يرد ضاحكاً صحيح والله.. ماني مركز.. وفي إجابته الثانية يقول بتردد: مفاسد مافيه فساد.. مفاسد.

عادي عادي جاوب من جديد..

ويتعالى الضحك بصوت عالٍ.. في مقطع جديد وبعد تحفيظ وتدريب

صف لنا شعورك وأنت تدك حصونهم.

سؤالك غلط يا خي.. أنت لا تسأل سؤالاً فصيحاً سؤال كذا (مشْ).

وعندما أعاد عليه السؤال بنفس الصياغة.. تعالى الضحك مرة أخرى مما دفع المصور إلى الرد بغضب: لا ما ينفع كذا يا شباب، ويرد على آخر: اسكت وإلا تراني (بَصّنِك) في الجدار وهو يردد على الانتحاري: (إلا في الجهاد) لكي يقولها وينهي هذا التسجيل الذي لم تكن القاعدة لتسمح بظهوره بهذه الشكل الذي يكشف غباء عناصرها واستهتارهم بأرواح الأبرياء.

في الخارج.. حديث عن المركبة المفخخة وشرح عن محتوياتها، هذه الحشوة (المتفجرة) وهذا زر التفجير، وهذه بطارية احتياطية.. يقاطعه الانتحاري: وهذا المنديل.. فيرد الآخر ضاحكا "ويش نوعيته".

كل ما تقدم من سذاجة وضلال في كفة ولوحة المركبة المفخخة اللي كتب عليها الإرهابيون (ح و ر 072) في كفة، فهم مقتنعون بأن ما يقومون به من إرهاب وترويع للآمنين جهاد فلذا يستحقون الحور الاثنتين والسبعين اللاتي وعد بهن الشهداء في الآخرة، لذا تعمد الانتحاري إلصاق الورقة على وجهه ومد يديه كمن يبحث عنهن في الظلام، وفي ذلك أيضاً اختزال للجنة التي عرضها السموات والأرض في الحور العين فقط بما يعكس خللاً فكرياً ونفسياً واضحاً لديهم.

في الأخير.. نحن بحاجة إلى المزيد من هذه النوعية من الأفلام التي تكشف الوجه القبيح للإرهاب والذي كان الوصول إلى مادته مستحيلاً لولا التعاون الذي أبدته الجهات الأمنية، مع التأكيد على ضرورة ترجمة هذا العمل وما ينتج مستقبلاً من أعمال مماثلة إلى عدة لغات حتى يدرك العالم الدور المشرف الذي تلعبه بلادنا في مواجهة التطرف داخل المملكة أو حتى خارج حدود الوطن.


بقلم: محمد الطميحي - الرياض