التطرف يوحد العالم

واقع حركات التطرف التي تجتاح العالم يعكس حالة عقلية شديدة الحرج تعانيها تلك الحركات. الأزمة تتغلغل في المجتمعات الغربية والإسلامية. الكل يحاول قراءة المشهد على طريقته.

هناك من يستحضر قضايا شديدة التعقيد ويربطها بالشذوذ الفكري السائد حاليا. البعض يريد اختصار المشهد في بلد واحد، أو توجه ديني بعينه. الحقيقة أن التطرف أصبح يأخذ شكلا عشوائيا. في الحالة الإسلامية: هناك سنة متطرفون، وهناك شيعة متطرفون. محاولة توجيه اتهام إلى طيف بعينه، باعتباره منبع التطرف، يؤسس نتائج بعيدة عن الواقع.

في عصابة داعش الضالة، هناك أطياف تنتمي لمجتمعات غربية ترفع شعارات الديمقراطية وتعلي قيم الحرية، لكن هذا لم يجعل بعض أبناء الجيل الثاني والثالث من المسلمين هناك يتفاعلون مع هذه الحرية بعيدا عن الاختراقات الشاذة التي تتخاطب مع حالة الاندفاع والرعونة وتسعى للتجييش والتحريش والتحريض.

إيقاعات الإرهاب والتطرف فتحت مجالا للمزايدات الإسلامية - الإسلامية. الكل يرفض التطرف وينأى به عن نفسه ويتهم الطيف الآخر. ربما لهذا السبب رأينا بلدانا عدة، إيران في مقدمتها، تعرض خدماتها وخبراتها لمقاومة الإرهاب، ... لكن حقائق التاريخ وواقع الحال يؤكدان أن إيران لم تحترم حتى مكة المكرمة في تاريخ مضى، وتورطت من خلال مواطنيها في إرهاب شديد الرعونة. السياسي هنا هو الذي يقود مخرجات التطرف. وداعش الضالة سواء شاءت أم أبت، تحولت إلى ألعوبة في أياد عدة، تسعى لصياغة واقع جديد.

إن حادثة باريس الأخيرة وقبلها حادثة شارلي إبدو وسواهما من الحوادث، تؤكد أن الظاهرة السائدة تحتاج إلى معالجة بعيدا عن المزايدات والاتهامات المتبادلة. وتحتاج إلى شراكة عالمية واستحضار أن وجود متطرفين مسلمين لا يعني تعميم الفكرة على كل مسلم. إن الإسلام في معناه الاصطلاحي يستوعب قضايا كثيرة جوهرها ومحورها السلام. الدين الحقيقي اختزله ذلك الأعرابي الذي جاء إلى نبينا محمد وعرض عليه أن ينطق الشهادتين ويصلي ويصوم ويزكي ويحج، ولا يزيد على ذلك شيئا، فأقره النبي وقال: أفلح إن صدق. لكن الملاحظ أن الفضائيات الدينية مثلا صارت تخوض في كل شيء، وكثير من الأمور التي يخوضون فيها لا تعني المسلم العامي بأي شكل. إن تجييش البسطاء بأفكار الولاء والبراء والخلافة وسواها من الرؤى الملتبسة أعطت فرصة لاستغلال الإسلام على مدار التاريخ. نحن الآن نواجه أزمة تتطلب خطابا متزنا واضحا لا يخاف من غوغاء البشر، ولا يهتم بإرضاء وإلهاب مشاعر البسطاء. التصفيق لداعش وتبرير ممارساتها جريمة. ربط تطرف داعش بمزاعم غياب الديمقراطية أو ضياع فلسطين صياغة يراد بها باطل.

يحتاج كل مسلم إلى أن يهتم بدينه فقط، ولا شأن له بدين الآخرين. معظم مآسينا نابعة من اهتمام فئة متطرفة بدين الآخرين، مع سوء أدب وسوء خلق مع الله جل وعلا بتوزيع صكوك الجنة والنار، وسوء أدب مع الناس متجاهلين أن الدين المعاملة. اللهم ارحمنا برحمتك، واقض بيننا وبين عبادك الظالمين من الفئات الضالة المحسوبة على الإسلام.

بقلم: خالد السهيل - الاقتصادية