إشاعات الرافعة

أدعو الله -جلت قدرته- أن يغفر لمن فقدناهم نتيجة حادث سقوط إحدى الرافعات في الحرم المكي الشريف. فقد وافاهم الأجل في يوم فضيل وشهر فضيل في أطهر بقاع الأرض يقصدون أداء شعيرة عظيمة. فما دام الأجل محتوما والنهاية قادمة لا محالة فهذه -بإذن الله- خير خاتمة.

أتحدث الآن عن الكم الهائل من الروابط والمقاطع والتغريدات التي عجت بها كل وسائل التواصل الاجتماعي ثم انتقلت عدواها لقنوات الإذاعة والتلفزيون، لتصبح الحادثة مركز كلام المجالس ومتابعات القنوات الفضائية في كل دول العالم.

بدأ التخمين عند الناس بمجرد ظهور الخبر. بدأ كل يتفنن في تبرير الحادثة، وتحديد أسبابها وربطها بأخطاء هذا أو ذاك. يتكلم الناس عموما فيما لا يعلمون، ويتفنن الروائيون في وضع سيناريوهات وربط أحداث وإشاعة الجدل ليسيطر على الواقع الذي يعرفه قليلون، تضيع أصواتهم بين المرجفين وناشري الخبر غير اليقين.

تصل الحال إلى مرحلة من الإسفاف الذي يبني عليه أصحاب الأجندات خلاصات غير واقعية، وتتحول إلى اتهامات باطلة لشركة أو شخص أو هيئة سواء حكومية أو خاصة. الغريب أن البعض يأتي وقد قرر أنه كان المنقذ الذي لم يستمع إلى إنذاراته المسؤولون، ويبدأ في الخوض في ميكانيكا الرافعات وعمليات الإخلاء وبرنامج تنفيذ المشاريع، ليجذب إلى تفكيره مجموعة من السذج الذين لا يعلمون أنهم يستخدمون كأدوات لتمرير فكرة أو تأكيد نظرية فاسدة كأهداف صاحبها.

لكن ماذا عن الباحثين عن الحقيقة، القنوات الفضائية التي تنتقدنا كل يوم وتباشر التجريم والتغريم والأسف على حال الأمة، وبعدها عن سياق الحضارة. المحللون الذين أزعجونا بمطالباتهم بالتثبت والتأكد، نجدهم - فجأة - تناسوا التثبت ووضعوا سيناريوهاتهم الغريبة وتحليلاتهم الخاطئة.

عدنا لنبحث عن الحقيقة في الغرب، وهو الأمر المؤسف التالي. لم أجد قراءة صحيحة لما حدث سوى عندما شاهدت تحليل محرر الطقس في قناة سي إن إن الذي أعطى تبريرا منطقيا وعلميا لما حدث. مستخدما صور الأقمار الصناعية، والمشبهات الحاسوبية ليوضح الظهور المفاجئ لتلك العاصفة الرعدية التي سببت رياحا عاتية سرعتها تجاوزت 95 كيلو مترا وانخفاضا في درجات الحرارة وصل إلى 20 درجة مئوية؛ ما تسبب في اقتلاع الأشجار من جذورها، فكيف برافعة ترتفع أكثر من 20 مترا في السماء.

* نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية"