الأمن الفكري وتعليم المرأة

على خلفية الزيارة المدرسية لإمارة منطقة جازان وبعد جلسة استجواب في إدارة تعليم محافظة صبيا لطالبات مدرسة الظبية ومديرتها ووكيلتها ورائدة النشاط، تم إنهاء تكليف الإداريات بشكل متعسف وغير مبرر، وذلك إرضاء للفئات المعارضة للزيارة، فجاءت هذه الحادثة شاهداً وتوصيفا مختصرا للحالة التي يمر بها تعليم المرأة في بعض مناطق المملكة، وكأن دعاة التطرّف أعلم بمصلحة الفتيات من أهاليهن ومن الجهات العليا في وزارة التعليم.

زيارة الإمارة ليست إشكالية في حد ذاتها، فالناس يذهبون إلى إمارات المناطق بمختلف أجناسهم، ولكن الاعتراض يأتي ضد أي فكرة نظامية -ومجال التعليم جزء من ذلك- تمنح المرأة الحق الذي استلبوه منها بالاعتداء والظلم، وضد الآلية التي تمهد للمرأة الخروج عن الدوائر المحددة في الذهن التقليدي بالكثير من القيود، وإن كان المتشددون قبل أكثر من نصف قرن قد اعتبروا أن قرار تعليم المرأة فتنة تمهد لإفساد النساء، فالنسخة المطورة من المنتج الفكري لدى أولئك تريد اليوم أن تكون المدارس كالبيوت وسيلة مخصصة للحصار والعزل عن الحياة العامة.

إن المعنى الضمني للرقابة في حياة المرأة ووضع القيود عليها يصف شكل الأسلوب الذي يضع لتحركاتها حدودا مجالية، إضافة إلى كونها ممارسة سلطوية تُحدد الظروف المكانية للفعل الذي يتوجب على المرأة القيام به، وذلك بالقسر والإجبار والتدخل المستمر الذي قد يصل إلى تجاوز النظام، فيما أن خروجها عن هذا الإطار يعد خرقا للمعايير التي يقدر بها احترامهم لها، فيتخذ المتطرفون أحقية التوجيه في الحياة العامة وكأسلوب يريدون به تنظيم السلوك الاجتماعي، والتصرف من مبدأ السُلطة بالموعظة التي تعد مخالفتها تجريدا للناس من تدينهم.

الحالة لا تقتصر على ممارسات عشوائية تتبناها ذهنية المتطرفين أو المتحيزين ضد المرأة فقط، بل للقضية أبعاد أخرى، وبما أن الإجراءات النظامية لمشاركة الطالبات في الأنشطة المدرسية تأتي بعد توجيه الخطاب إلى ولي الأمر وطلب موافقته، وبما أن الزيارة جاءت بموافقة إدارة التعليم، فإن منع الطالبات أو معاقبة الإداريات بهذه الطريقة يفسر على عدة أوجه، وأولها التشكيك في مسؤولية الإمارة حين تؤدي دورها بحماية المواطنين، وثانيها التشكيك بنزاهة النظام المدرسي وإدارته ودوره التربوي الهام في التنشئة الاجتماعية، وثالثها التشكيك في أخلاق الأسر الذين سمحوا لبناتهم بالزيارة تحت عناية الإشراف المدرسي، وهذا كله يحرض على فقدان الثقة.

لقد كان تصرف مدير التعليم إزاء اعتراض المتطفلين على شؤون غيرهم معبرا عن استجابة غير مسؤولة من أجل الوجاهة لمن يرى أن الذهاب إلى الإمارة لا يختلف عن الذهاب إلى مكان مريب! وهذا التمرير اللاواعي يعني التعاون مع من يتعمد عرقلة المرأة وإعاقة الأهداف التربوية والمنهجية التي تحاول بعض المدارس إصلاح ما تعثر منها.
ما زلنا بانتظار إجابة وزارة التعليم والإجراء الذي ستتخذه لمعالجة الاضطراب الذي يعانيه بعض منسوبيها.

* نقلاً عن صحيفة "الوطن"