بين شدّ الحزام وانقطاعه

تعتمد العديد من الدول سياسة التقشف في التعامل مع الأزمات المالية بما في ذلك وقف أو تأجيل الإنفاق الحكومي على المشروعات العملاقة أو رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات وغير ذلك من الخيارات التي قد تساهم في المحصلة في تجاوز تلك الأزمات.

ومع انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية بدأت التساؤلات بشأن الكيفية التي ستتعامل بها المملكة -أكبر دولة مصدرة للنفط - مع هذا الانخفاض وانعكاساته السلبية على اقتصادها الوطني، وتصنيفها المالي الذي كانت تحتل من خلاله مراتب متقدمة بين الدول الصناعية الكبرى.

في هذا المقال لن أناقش الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة هذه المرحلة الحاسمة، ولا عن التكهنات التي انتشرت بشأن الانعكاسات المرتقبة على رفاهيتنا كمواطنين، بل عن الدور الذي نستطيع من خلاله المساهمة في جهود الدولة للتخفيف من وطأة هذا التراجع على حياتنا اليومية.

لا أطالب هنا برفع الدعم عن السلع الاستهلاكية أو تحرير أسعار البنزين وبقية المشتقات النفطية كما فعلت دول مجاورة ولكن ب "شد الحزام" ووقف هذا الهدر الذي تعودنا عليه خلال السنوات الماضية خصوصا مع تلك المواد التي تقتطع المليارات من الموازنة كل عام.

كم السعر العالمي لكيس الرز؟ وكم تدفع الدولة ليكون هذا السعر في حدود إمكانيتنا ؟ والسؤال الأهم كم يدخل من هذه السلعة في بطوننا وكم نرمي منها في براميل القمامة كل يوم؟

بعد مشاهدة حجم التبذير في الولائم والمناسبات أو حتى على المستوى الفردي لا أبالغ إن قلت إنّ مايزيد على خمسين بالمئة من هذا المصدر الغذائي الرئيسي يذهب هدراً وبالتالي لو انفقت الدولة عشرة مليارات ريال مثلا ًلدعم أسعار الأرز فإن خمسة منها سيكون مصيرها (الكب)..

تخيل معي أنك تشوف شغالة أو عاملا يرمي كيس زبالة مليئا بالريالات يوميا هل ستقبل بذلك ؟ شئت أم أبيت هذا ما يحدث بالفعل!

وقس مع كل ذلك البنزين الذي تحرقه سيارات الأجرة و (الداجين) في شوارعنا دون هدف، والكهرباء التي تدعمها الدولة لنقوم نحن دون وعي بتحويل بيوتنا إلى ما يشبه قصور أفراح يمكن مشاهدتها من الفضاء الخارجي من كثرة الأنوار التي تشع ليل نهار حتى ينتهي عمرها الافتراضي.

ماذا عن الاستهلاك الكارثي للمياه الذي تجاوز أضعاف المعدل العالمي في دولة شبه صحراوية ؟ ماذا لو كان سعر الليتر أغلى بعشرين مرة عن سعره الحالي هل سيستمر هذا الهدر؟

المواطن لن يرضى برفع الدعم لا في المملكة ولا غيرها من دول العالم لأنه يعتبر ذلك جزءاً من حقوقه، ولكن على الدولة ألا ترضى في المقابل بأن تحكم على مستقبل الأجيال القادمة بالإفلاس من خلال الانفاق غير المنضبط على جيل استهلاكي بامتياز.

في الأخير .. لا بد من التأكيد على أحقية الأسر السعودية الأقل حظاً في الحصول على ما تحتاجه من مواد غذائية وسلع بالأسعار التي تتناسب مع دخلها الشهري المحدود، أيضا من العقل والمنطق الحرص على أن يكون الإنفاق على التعليم والصحة والإسكان أولى بكثير من دعم شريحة من المجتمع تنفق على الكماليات والرفاهية وفواتير الجوال آلاف الريالات شهريا، ثم يعلو صوتها بالرفض والاستهجان عند الحديث عن زيادة معقولة في فواتير البنزين والكهرباء والمياه أو عندما يرتفع كيس الرز ولو بعشرة ريالات فقط!

* نقلاً عن صحيفة "الرياض"