المعضلة الأخلاقية في صناعة الدواء العالمية

 اكتشفت بين أوراقي صفحة قديمة من جريدة الاندبندنت احتفظت بها طويلا كونها تتضمن لقاء مع عالم مشهور في مجال الصيدلة يدعى الن رينزو .. وفي هذا اللقاء يعترف بأن معظم الأدوية التي تنتجها الشركات الكبرى غير فعالة بشكل كامل أو جزئي (ووضعت خمس علامات تعجب أمام هذا التصريح)!

وخطورة هذا التصريح تأتي من حقيقة أن الدكتور الن عالم أدوية مرموق (من أبناء المهنة) وساهم شخصيا في اكتشاف عقاقير مهمة ووصل الى منصب نائب رئيس شركة جلاسكو للأدوية أحد أكبر خمس شركات في العالم.. وخلال اللقاء ضرب مثلا بعقاقير الزهايمر التي تنتجها الشركة ولا تفيد سوى واحد من كل ثلاثة مرضى، وأدوية السرطان والايدز التي لا تنفع إلا ربع المرضى، وأدوية الصداع النصفي والتهاب المفاصل والتهابات الأذن ومعظم المضادات الحيوية التي لاتفيد سوى نصف المرضى (وفي رأيي الشخصي أنه حتى من يشفى من المرض قد يعود الفضل في ذلك الى مناعته الطبيعية أو تأثير الوهم الإيجابي عليه)!

وحسب كلامه؛ يعود السبب الأول والأهم إلى اختلاف المورثات بين البشر وحقيقة أنها تتداخل لدى البعض بطريقة تقلل أو تلغي فعالية بعض الأدوية.. وحين سألته الصحيفة عن سر نجاح التجارب والنتائج الإيجابية التي يتم بموجبها "ترخيص" الأدوية الجديدة (!؟) قال الدكتور آلن: الشركات المنتجة غالبا ما تجري اختباراتها على متطوعين لديهم أصلا قابلية على إظهار نتائج إيجابية كبيرة للعقاقير الجديدة سواء من الناحية الوراثية أو الجسدية أو من حيث العمر ومرحلة المرض (وضع أنت خمس علامات تعجب)!

وهذا الاعتراف قد لا يكون جديدا على الأوساط العاملة في صناعة الأدوية؛ ولكنه يشكل صدمة حقيقية للمرضى وعامة الناس ممن يشترون أدوية مكلفة ولكنها إما غير فعالة بذاتها أو غير فعالة لجميع المرضى..

وما يساهم في ضبابية الصورة أكثر (ويصّعب اكتشاف الحقيقة على المرضى انفسهم) أنهم كثيرا ما يصلون لمرحلة الشفاء ليس بسبب العقار ذاته بل بسبب تغلب جهازهم المناعي على المرض.. وهذا في الحقيقة هو ما كان يحصل حتى بين أجدادنا في الماضي حين كانت المرأة تنجب تسعة أطفال لا يبقى منهم غير اثنين أو ثلاثة هم من يتمتعون أصلا بجهاز مناعي قوي.. ففي ظل غياب الوعي الصحي والرعاية الطبية كان الضعفاء يموتون في سن الرضاعة أو الطفولة ولا يبقى سوى (طفلين أو ثلاثة) نجحوا في مقاومة الأمراض بفضل مناعتهم القوية وارتفاع مستوى فعاليتها بعد كل حالة مرضية.. حتى يتجاوزوا في النهاية عنق الزجاجة!

الصيادلة والأطباء وشركات الأدوية تعلم جيدا أن لكل دواء نسبة تأثير وهمية إيجابية لاتقل عن 30% (وقد ترتفع إلى 100% لدى بعض الناس الأمر الذي يفسر نجاح المشعوذين والأطباء الشعبيين في شفاء من يؤمنون بقدراتهم).. ولكن أن تستغل شركات الأدوية هذا التأثير بطريقة ماكرة أو تخفي دور الوراثة والعرق والسن والجنس في رفضها أو تقبلها فهذه كارثة أخلاقية تتطلب ابتكار مفهوم جديد تماما في علم الصيدلة مفاده (صرف الأدوية بناء على معايير شخصية واختبارات مبدئية خاصة بكل مريض)!

نقلاً عن "الرياض"