الطائفية.. تفجير المجتمعات!

ما حدث بالأمس في الكويت لا يمكن عزله عما حدث في السعودية قبل أسابيع. لقد ضرب الارهاب مسجدا في الكويت في هجوم مرعب سبق ان شهدت مثيلا له مساجد في الاحساء والقطيف والدمام والتي اصابت الجميع بالحيرة والأسى والحزن لتفتح باب التساؤلات من جديد حول أهدافها ومن يقف وراءها ومن المستفيد من ارباك الوضع الإقليمي برمته عبر تكريس الشحن الطائفي داخل دوله.

بات واضحا ان ثمة مشروعا ممنهجا لتفجير الطائفية والفوضى واثارة الفتنة في مجتمعاتنا الخليجية فالهدف لم يكن أبناء الشيعة وإن بدا لنا كذلك بل هو اوطاننا.

وهي محاولات تأتي في سياق هز استقرار دول الخليج وشرخ نسيجها المجتمعي لأن "الصراع الطائفي السني- الشيعي حاد للغاية كما قال احمد الخطيب للشرق الأوسط، والكويت تحت خط الجذب الإقليمي وبالتالي فإن هذا الصراع حين يصل إلى نهايته، قد يؤدي إلى تقسيم المنطقة جغرافيا على أساس طائفي" مضيفا انه "أمام هذه التحدي فإن الدول الكبيرة كالعراق وسورية لديها القدرة على تحمل مثل هذه التقسيمات، أما الدول الصغيرة كالكويت فلا تتحمل التقسيم".

ولذا فنحن كدول خليجية مهددون من عدة جهات سواء أكانت دولا إقليمية ام جماعات راديكالية فضلا عن شريحة متعاطفة ومؤيدة لهذا الخطاب المتطرف في الداخل.

ولكي نمضي الى المزيد من الشفافية نعترف بأن الانجراف مع تيار الأيديولوجيا كما نعيش الآن وصراعات الطائفية والهوية والمذهبية من أبرز ظواهر التخلف التي تتسم بها بعض مجتمعاتنا، وهي التي تنزع لنمط لا يتناغم مع لغة العالم المتحضر. ان العقل الضيق والوقوع ضحية قناعات وأفكار والاستسلام بها يكشف عن الضحالة الفكرية لهذا الفرد او ذاك. ولو سلمنا عبثا بوجود المؤامرات الخارجية ودورها في اختراق المجتمعات العربية وهدف تفتيتها، فالحقيقة المُرة تُخبرنا أيضا انه لو لم تكن الجبهة الداخلية هشة وغير محصنة لما استُهدفت من الخارج.

لقد أصبح واضحا ان داعش يستغل اجواء ما يجري في المنطقة ليوظفها لمشروعه النوستالوجي عن طريق أساليب خادعة وجاذبة لصغار السن يكسب من خلالها تعاطفهم والمثير للاستغراب ان هناك من الدعاة والأئمة من يقدم خدمات لداعش من خلال تحريضه وترويجه للعنف وحضه على الكراهية وتكفير الاخرين ما يجعل شبابنا ادوات في ايدي الحركات المتطرفة.

المثير للاستغراب أن هناك من الدعاة والأئمة من يقدم خدمات لداعش من خلال تحريضه وترويجه للعنف وحضه على الكراهية وتكفير الآخرين ما يجعل شبابنا أدوات في أيدي الحركات المتطرفة..

هناك فئات شاذة ومتطرفة سواء في السنة او الشيعة لا تلبث ان تدفع باتجاه تغذية الطائفية وإشعالها عبر خطابات تحريضية متشنجة كريهة ما يخلق حالة من التوتر والاستقطاب في المجتمع، وبالتالي لا يمكن مواجهة وباء الطائفية الا من خلال زرع ثقافة مجتمعية تؤكد ان الشيعة هم اخوة لنا لا يجوز تكفيرهم ولا تخوينهم وانهم مواطنون في بلدانهم، متساوون في ذات الحقوق وعليهم نفس الواجبات.

وفي هذا السياق نستحضر هنا حديث الملك سلمان بعد حادثة القديح فكان بمثابة شعور الاب الذي فجع بفقدان أبنائه في هذا الاعتداء الإرهابي وكذلك لغة الحزم في محاسبة كل من شارك او خطط او دعم او ساهم في ارتكاب هذه الجريمة البشعة والملك دائما ما يؤكد على ثوابت الدولة وما صنعه المؤسس رحمه الله ، وأن هذه الدولة قامت على سواعد الاجداد فصنعوا الوحدة وحافظوا عليها مشددا على تعزيز الوحدة الوطنية حيث المساواة فلا تمييز ولا تفرقة ولا عنصرية، لا بين مواطن وآخر ولا منطقة وأخرى.

إن التلون المذهبي والثقافي والاجتماعي بمثابة رصيد تاريخي لبلادنا وإرث يستحق الاحتفاء به ويفترض الاستعانة به في هكذا حالات وبالتالي مواجهة طائفية العابثين والطامعين.

وفي هذا السياق ثمة حاجة الى وجود رؤية فكرية وسياسية وأمنية تدفع باتجاه تفنيدها لهذا الفكر بطريقة مقنعة وهادئة كون الفكر هو الجذر المفصلي لكبح الإرهاب لأنه يمنع توالده وتكاثره. ولذا فالدور يقع بلا أدنى شك على عاتق الدول الخليجية والتي عليها ان تقوم بالتنسيق الدائم فيما بينها فضلا عن وضع استراتيجية شاملة انطلاقا من إعادة النظر في مراجعة خطابها الديني وترسيخ الخطاب المعتدل من خلال مراجعة المناهج والتوعية المنبرية في المساجد ووضع خطط تربوية وإعلامية وتعليمية تعالج المفاهيم الخاطئة وتعزز مفهوم المواطنة وتكرس التعايش والتسامح.

ولذا ومن اجل الحفاظ على بيتنا الكبير لاسيما بعد الملاحم الوطنية الشعبية في السعودية والكويت علينا ان نعي حقيقة ما يحاك وما يجري وضرورة المكاشفة والمبادرة كأدوات لمواجهة هذا الطوفان المظلم. وهذا يعني تجريم كل الأفعال التي تهدد أمن دولنا من خلال تشريعات وقوانين لحماية الوحدة الوطنية. ولعل تماسك شعوبنا من سنة وشيعة سيكون اقوى رسالة على رفض هذه الدسائس والمشروعات ومن يقف وراءها، بدليل ان تلك الاعمال الإرهابية رغم بشاعتها ما زادتنا الا إصرارا على ترسيخ وحدتنا الوطنية ورفض الأصوات الشاذة وصاحب اي دعوى طائفية من اي مذهب كان.

صفوة القول: دول الخليج مستهدفة عبر جرها لصراع طائفي من اجل هز استقرارها وشق نسيجها المجتمعي ما يستدعي اليقظة ومواجهة كل ذلك بوحدة صف قادرة على احباط مخططات المتربصين ان أردنا فعلا حماية اوطاننا ووحدتنا الوطنية!

* نقلاً عن صحيفة "الرياض"