دول بلا حدود

 الحدود السياسية من العلامات السيادية لأي دولة.. غير أن مستوى حراستها بين الدول قد يرتفع أو ينخفض تبعاًَ لأسباب سياسية واقتصادية وأيدلوجية وأمنية مختلفة.. فالحدود بين كوريا الشمالية والجنوبية مثلاً تعد الأكثر حراسة في العالم لأسباب أيدلوجية بحته -لدرجة توجد مساحة عازلة كبيرة بين الطرفين تمتلئ بشتى أنواع الألغام.. وفي المقابل قد تنعدم كافة الفوارق بين الدولتين لدرجة فتح الحدود بشكل كامل (كالحدود الفاصلة بين فيتنام وكمبوديا أو أمريكا وكندا التي تعد أطول حدود غير محروسة في العالم).

وحين أعود إلى تجاربي في هذا المجال أتذكر أنني زرت دولاً لم أفكر بزيارتها أصلاً لمجرد أن حدودها كانت مفتوحة أمامي.. فقد دخلت مثلا كمبوديا من تايلند، والبارجواي من البرازيل، وفنلندا من السويد -قبل فيزا شنجن- لمجرد أنني وجدت أمامي حدوداً مفتوحة لا تتطلب فيزا مسبقة.

ورغم أننا تعلمنا في المدارس أن كل العرب إخوة في الدين والدم واللغة والتاريخ؛ ولكن الحقيقة هي أن الحدود السياسية بين الدول العربية لم تكن يوماً مفتوحة بقدر الدول الأوروبية التي خاضت حربين عالميتين وتملك لغات وعرقيات يصعب حصرها.. فاليوم يمكنك التنقل في الاتحاد الأوروبي دون المرور بأي حدود أو معابر أو مراكز تفتيش -خصوصا بعد ظهور العملة الموحدة "اليورو" والفيزا المشتركة "شنجن".. وفي حين يزداد العالم العربي تفتتاً وانقساماً، يسير الاتحاد الأوروبي بخطى ثابتة نحو الاندماج في دولة عظمى موحدة تدعى "الولايات المتحدة الأوروبية".

ولأنني لست رجلاً حالماً لا أعتقد أن دولنا العربية وصلت لمستوى يسمح بفتح حدودها بشكل كامل -ناهيك عن اتحادها تحت مظلة سياسية واحدة.. فكي تفتح الحدود مع أي دولة مجاورة يجب أن يتساوى الشعبان (أولاً) في المستوى الاقتصادي، وتتمتع الدولتان (ثانياً) بالسلم والاستقرار السياسي، وأن يتناسى الجميع (ثالثاً) أي تاريخ دموي أو صراع ديني حصل في الماضي كما فعلت أوروبا التي طوت بسرعة صفحتي الحربين العالميتين.

ورغم أنني أتفهم سبب عدم فتح حدودنا -هذه الأيام- مع سورية والعراق واليمن، أتساءل عن سبب عدم فتحها -بشكل كامل- بين دول خليجية متساوية اقتصادياً، ومتماثلة اجتماعياً، ومتوافقة سياسياً.. يخطر ببالي هذا التساؤل كلما شاهدت مظاهر الازدحام فوق جسر البحرين أو طوابير المسافرين في المطارات تحت لوحة "دول مجلس التعاون الخليجي".. ماذا سيحدث لو أصبح سفرنا إلى البحرين والكويت والإمارات وعمان بسهولة سفرنا إلى القصيم وعرعر وجازان وتبوك؟

ماذا سيحدث في حال دخل مواطنو هذه الدول إلى السعودية دون المرور بأي إجراءات رسمية؟

.. صدقوني لن يحدث شيء -خصوصا بوجود اتفاقيات أمنية وجمركية موحدة- وسرعان ما نكتشف أننا لم نكن بحاجة لكل هذا الجهد والهدر في الوقت والمال وجمع بيانات المسافرين من كلتا الجهتين.

* نقلاً عن صحيفة "الرياض"