كيف نتجاوز الفتنة الطائفية..؟

متى يصل الوعي الشعبي إلى أن الاختلافات الطائفية في تاريخ المسلمين كانت وليدة صراعات سياسية على السلطة؟، وليس لها علاقة بالدين، وتعتبر نتاجاً طبيعياً لتلك المرحلة، والتي اختلف فيها المسلمون حول التفسير الديني للنصوص في البدء، ثم جاء الاختلاف الأكبر حول صحيح النقل متأخراً، لكنه زرع الألغام في كتب المؤرخين والفقهاء، وترك المسلمين في حالة انقسام شديدة الخطورة، وما يحدث الآن هو نتيجة دموية لما تكتنزه النفوس من حالة عداء للآخر عند الطرفين منذ القدم، وتزيد من حدته طرق التعليم الديني التي تعتمد تلك الكتب كمنهج لتعليم الدين، والتي تتشبع بالمفردات العدوانية مثل روافض أو نواصب أو باطنية وغيرها.

ما يختلف عن الماضي أننا نعيش في عصر الدولة الحديثة في العالم، وليس الدولة الطائفية، ولكن منذ صعود الثورة الطائفية في إيران، وأتباع السنة المتشددين والطائفيين يعملون من أجل قيام دولة الخلافة التي تقوم على العداء الطائفي والمذهبي مثل دولة إيران، وكأنه بذلك يريدون الوصول إلى حالة من التوازن في الكره والعداء الطائفي، وكان لهم ما أرادوا في قيام دولة في شمال العراق وشرق سوريا تقوم على بعد طائفي متشدد، وتصدر العدوانية الطائفية للدول المجاورة، في محاولة لتحقيق توازن الرعب الطائفي.

خلال السنوات الماضية، كان هناك ضغط هائل على المملكة لجرها إلى الفتنة الطائفية من قبل الطرفين، فهدف داعش الحالي تفجير الوطن في فتنة الصراع الطائفي، وإيران تصدر الطائفية بشكل مباشر منذ إندلاع ثورتها، وقد حرضت وساعدت الحوثيون في نشوب حرب طائفية في جنوب المملكة، وساهمت في تأسيس كانتونات طائفية في بلاد المشرق العربي، بينما في المقابل حدث في المملكة إصلاحات جذرية في الخطاب الديني، وقد أصبحت بيانات كبار العلماء وردود أفعال أكثر علماء الدين خالية من الطائفية، ووصلت إلى أن يكون نبذ الطائفية موضوعاً للخطب في المساجد.

كان ولايزال العراق المدخل الرئيسي للفتنة الطائفية في تاريخ المسلمين، وسيظل النجاح في إخراج الطائفية من العراق أيضاً سبيل النجاة من كوارثها على الشرق العربي، وقد عانت بغداد الأمرين من أبعاد الصراع الطائفي العثماني الصفوي من أجل السيطرة عليها، والآن تعود إيران من خلال عباءة الطائفية إلى محاولات احتلال بغداد ثم السيطرة عليها، والأطماع الإيرانية في الجنوب العراقي قديمة، وتستغل الطائفية في الزمن الحاضر إلى الوصول إلى هدفها التاريخي، والخاسر الأكبر هو أرض العروبة وثقافة المجد العربي الذي كانت عاصمته بغداد خلال ألف عام.

يعيش العرب الآن في حالة تسمم طائفي بغيض، وتسيطر المؤامرة على العقول بشكل غير معهود، وتظهر في بعض ردود الأفعال ضد إي خطاب إصلاحي موجه للطائفية، فعامة السنة تتهم الشيعة أنهم يشتمون كبار الصحابة ويكفرونهم، وعامة الشيعة يحملون السني وزر مقتل الحسين إلى يوم الدين، وأما كيف نخرج من هذه الظلامية؟، سؤال تُصعب الإجابة عليه، ولم يبق لينا إلا الأمنيات، وهي أن لا ننجرف خلف حبائل إثارة البغضاء في المجتمعات الآمنة، وأن نُحكِم العقل والوعي السياسي، وأن ندرك أننا أبناء اليوم، ولسنا بالضرورة مسؤولين على الصراعات السياسية التي حدثت في صدر التاريخ الإسلامي.

إثارة الفتنة الطائفية في الوطن هدف معلن لدولة داعش التكفيرية، وللحكومة الطائفية في إيران، وقد نواجه صعوبات أكثر في المستقبل، ولكن بالتلاحم الوطني، والاستمرار في إصلاح الخطاب الديني من قبل جميع الأطراف سنتجاوز الفتنة الطائفية، وسيكون طوق النجاة الحقيقي الاستمرار في غاية الوصول إلى دولة الشريعة والقانون، ونشر أفكار التعددية والاختلاف واحترام الآخر، وفي ترسيخ ذلك في الوعي الشعبي من خلال التعليم، سنكون المثال الناجح للدولة المدنية غير الطائفية في المنطقة.. والله على ما أقول شهيد.


* نقلاً عن صحيفة "الجزيرة"