مطلوب مخترعين لهذه الوزارات

قبل انسحابه من الكويت (في فبراير1991) أشعل الجيش العراقي النار في أكثر من ألف بئر نفطية.. بدت من الفضاء كمشاعل مرعبة تتناثر في الصحراء وتصعد منها غمائم سوداء منعت الطائرات من التحليق فوقها.. غطت سماء الخليج بسحب داكنة وصنعت كارثة بيئية فطلبت الصحف الخليجية من قرائها تقديم اقتراحاتهم وابتكاراتهم حول أفضل الطرق لإطفائها.

كان بعض الاقتراحات مستحيل التنفيذ مثل سحب مياه البحر لغمر الآبار، أو لا ينم عن خبرة مثل "شفط" أحواض النفط الجوفية وتحويلها للأحواض الفارغة.. ولكن بعضها الآخر كان رائعا وذكيا وسهل التنفيذ مثل حفر بئر موازية وتحويل مجرى التدفق النفطي إليها، أو وضع "قبة معدنية" فوق فوهة البئر بحيث تمنع عنها الأوكسجين قبل أن تنقل لبئر أخرى...!

ولكن كما يحدث دائما؛ لم يهتم أحد بالإبداعات العربية وتم التعاقد مع شركات أمريكية بملايين الدولارات لم تنجح في إخماد الحرائق قبل نهاية العام!

وفي المقابل أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (في 26 أكتوبر2001) عن مسابقة شعبية لتقديم أفضل الحلول لمكافحة الإرهاب أو التخفيف من تداعياته بعد تفجيرات سبتمبر2001.

كانت منافسة مفتوحة يتقدم إليها عبر النت المتخصصون وغير المتخصصين. وفي حين تركت الباب مفتوحا لشتى أنواع الابتكارات طلبت (على وجه التحديد) ابتكار 38 نظاما إلكترونيا لمتابعة تحركات الإرهابيين - مثل التبليغ تلقائيا عمن يشتري مواد لصنع القنابل، أو يسافر لدول تنشط فيها منظمة القاعدة، أو كاميرات مراقبة تُميز ملامح ولهجات القادمين من الشرق الأوسط...!

ورغم ان البنتاغون أعلن احتفاظه بسرية الابتكارات، إلا أن صحيفة النيويورك تايمز قالت إن موقع الوزارة تلقى أكثر من مليون ونصف المليون ابتكار اختار منها 1,400 فقط !

المدهش أكثر؛ أن بعض الابتكارات (التي لم يتم تبنيها) تحولت إلى شركات لتصنيع الابتكار ذاته.. خذ كمثال المهندس جون ريفرز الذي ابتكر مظلة صغيرة (يمكن تعليقها في دولاب الملابس) للهبوط من ناطحات السحاب وقت الطوارئ.. وحين تجاهل البنتاغون فكرته أنشأ شركة خاصة لبيع هذا النوع من المظلات ب7000 دولار !!

والآن أيها السادة نصل الى مربط الفرس:

لماذا لا تنشئ وزاراتنا مواقع الكترونية تستقبل اقتراحات الناس (قبل اختراعاتهم) حول مشكلاتها المزمنة؟

لماذا لا تستقبل وزارة الصحة مثلا اقتراحات الأطباء حول أفضل الطرق لمكافحة الكورونا أو الاستغلال الأمثل لأسرة الطوارئ...؟

ولماذا لا تستقبل وزارة التعليم اقتراحات المعلمين حول نشر ثقافة البحث بين الطلاب.. أو أولياء الأمور لاستغلال مدارس الحي بشكل أمثل...؟

لماذا لا تستقبل وزارة الداخلية اقتراحات الناس حول أفضل الطرق لاستباق الهاربين الى داعش أو قياس نسبة التطرف في المجتمع...؟

ولماذا لا تستقبل وزارة الإسكان اقتراحات المهندسين حول بناء مدن جديدة بالكامل، أو المواطنين حول طرق التمويل التي يفضلونها !

أما لماذا يجب أن نفعل ذلك؟

فلأن الأفكار النيرة أهم بكثير من الميزانيات الضخمة.

لأن الاقتراحات الفعالة تضرب عصفورين وثلاثة وأربعة، بحجر واحد.

لأن الاستماع لغيرالخبراء يعني التفكير خارج الصندوق، وتبني حلول استثنائية وغير مسبوقة.

لأن الاقتصار على منسوبي الوزارة يعني التفكير (بواحد على المليون) من العقول الوطنية.

لأن المواطنين شركاء في المسؤولية ويهمهم المساهمة بالقرارات التي تؤثر فيهم مباشرة.

لأن إحصائيات الويبو (أو المنظمة العالمية للملكية الفكرية) تؤكد أن 84% من الابتكارات العالمية تأتي من الأفراد وعامة الناس، وليس من الخبراء أو الأكاديميين أو المتخصصين.

ما على وزاراتنا سوى طرح المشكلة في موقعها الإلكتروني وستفاجأ بحجم الاقتراحات الواردة لحلها .. صحيح أن 99% منها سيبدو ساذجاً وغير قابل للتنفيذ، ولكن المؤكد أن الواحد بالمئة (المتبقي) سيقدم حلولا رائعة، بميزانيات بسيطة، وبطرق غير متوقعة!

اسمع كلامي معالي الوزير.. فليس أرخص وأكثر فعالية من هذا الاقتراح.

نقلا عن "الرياض"