العلاقات السعودية- المصرية: لا شيء يمكن تغييره

عندما قررت الكتابة عن العلاقات المصرية- السعودية طرحت أسئلة كثيرة حول هذه العلاقة وعن ماذا اكتب: هل اكتب عن تاريخ هذه العلاقة، ام أكتب عن تحولاتها عبر الزمن أم اكتب عن احداثها الأخيرة وتلك التجربة العميقة بين البلدين للتعامل السياسي المتزن في قضية العلاقات الثنائية.

السلوك الدبلوماسي الاستراتيجي بين الدولتين لم يتشكل يوما من الايام بعيدا عن خارطة كبيرة من المصالح المشتركة والاهداف المتقاطعة ابتداء من التاريخ وحتى الجغرافيا والقضايا العربية المشتركة ثم أخير الصراع في المنطقة وقضية الإرهاب، وهنا بدأ السؤل الذي شكل محور هذه المقالة حول العلاقات السعودية- المصرية حيث لا شيء يمكن تغييره من قبل المحاولين لتغيير مسار هذه العلاقة، فالعلاقات المصرية- السعودية خضعت لتجارب عديدة بعضها قاسٍ جدا الى حد كبير وبعضها متوسط ولكن النتيجة التاريخية لهذه العلاقة مكنت كلتا الدولتين من القدرة على التنبؤ بسلوك بعضهما البعض لمجرد الإحساس بأي محاولة للتغيير في مسار هذه العلاقة.

التاريخ ملئ بقصص العلاقات الناجحة بين الدولتين منذ عهد الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الحديثة وحتى عهد الملك السابع للسعودية الملك سلمان، ففي العام 1946م زار الملك عبدالعزيز مصر، ومنذ ذلك التاريخ تشكل النموذج السياسي الذي رسم العلاقة بين الدولتين حيث تشكلت تلك العلاقة وفقا لتقاليد راسخة عمل الملك عبدالعزيز على توثيقها وأصبحت العلاقة السعودية- المصرية جزءاً من دبلوماسية البلدين وتوجهاتهما الراسخة عبر تاريخ الدولتين، حيث استمرت العلاقة وفقا لتقاليدها مع كل التحولات التي شهدتها حياة الدولتين السياسية والاجتماعية والثقافية.

تشكلت تلك العلاقة وفقاً لتقاليد راسخة عمل الملك عبدالعزيز على توثيقها وأصبحت العلاقة السعودية- المصرية جزءاً من دبلوماسية البلدين وتوجهاتهما الراسخة عبر تاريخ الدولتين؛ حيث استمرت العلاقة وفقاً لتقاليدهما مع كل التحولات التي شهدتها حياة الدولتين السياسية والاجتماعية والثقافية..
ما يمكن الحديث عنه في علاقة الدولتين مرتبط بكونهما الأكبر تأثيرا في سياسات الشرق الأوسط وتحولاته التاريخية، بل إن متانة العلاقة بينهما هو تعبير تاريخي عن أهمية وجود المنطقة العربية بأكملها، ولذلك علينا أن ندرك أن العلاقة بين السعودية ومصر لا يمكن كسرها او حصرها لأنها علاقة الأرض بالأرض والتاريخ بالتاريخ وهذا تحديدا هو سر انكسار المحاولات الكبرى وليس الصغيرة فقط من اجل تغيير الخط التاريخي لهذه العلاقة بين الدولتين.

قراءة العلاقة السعودية- المصرية يجب أن تكون من خلال ثقافة تلك العلاقة التي عملت تاريخيا على تطوير هذه العلاقة من خلال مجموعة كبيرة من المشروعات والتقنيات الدبلوماسية والثقافية التي ساهمت في حل كل التحديات السياسية التي واجهها البلدان عبر تاريخهما الطويل، والملاحظ ان العلاقة السعودية- المصرية عبر تجربتها الطويلة لا يمكن المراهنة على تعرضها لأي شكل من التحولات السلبية فلقد اثبتت الدولتان قدرتهما على التعبير -وبشكل مستمر- عن رسوخ المسار السياسي للعلاقة بينهما.

السؤال الآخر في هذه المقالة يركز على ظاهرة سياسية ارتبطت بالثورات العربية حيث تشكلت تيارات سياسية عربية ودولية حاولت أن تختبر متانة العلاقة السعودية- المصرية، وكما يبدو أن تكوين هاتين الدولتين يتخطى العلاقة الدبلوماسية الى العلاقة الثقافية المجتمعية، فالسر الأكبر في العلاقة السعودية- المصرية يتجاوز منظومة الحكم الى منظومة الثقافة والمجتمع، وهذا تعبير عن مساحة لا يوجد بينها تضاد بل هي تعبير عن تشاركية عالية تنطلق من السياسة وتنتهي الى اقصى زوايا المجتمع.

أي محاولة تاريخية لاكتشاف متانة القوة المتحكمة في العلاقة بين هاتين الدولتين سواء عبر استخدام، الأيديولوجيا او السيادة السياسية او الاستقلالية في صناعة التوجهات السياسية العربية او الأولوية الثقافية او التباين الاجتماعي او التباين الثقافي، كل هذه المحاولات لم تستطع ان تحدث شرخا تاريخيا يمكن البناء عليه لإحداث توتر في هذه العلاقة، لذلك فمن باب الأهمية والأولوية أن ندرك أن هذه العلاقة تتسم بأنها ذات مرجعية وتقاليد تاريخية، لذلك يمكن القول إنه عطفا على البنية التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية بين البلدين فإنه يصعب تحقيق أي شكل من اشكال النجاح لإحداث أي تغيير سلبي في هذه العلاقة.

في العام 2013 م وبقيادة الرئيس السيسي الذي أصبح رئيسا لمصر بعد ذلك، استكمل الشعب المصري ثورته في الثلاثين من يونيو، وفي ذلك العام بعد أن مر الشعب المصري بتجربة افرزتها الثورات العربية تمثلت في محاولة الإسلام السياسي تغيير المسارات التاريخية للأنظمة العربية، هذه التحولات الأيديولوجية شكلت منعطفا مهما كان لابد من الوقوف امامه بحزم وقوة وهذا الوقوف شكل جزاء من العلاقة التاريخية بين السعودية ومصر.

المحاولات لن تتوقف والتجربة قد تتكرر من اجل احداث عملية تشبه عمليات فصل التوائم بين القوى العربية المؤثرة، وخاصة أن الإسلام السياسي المؤدلج يدرك أن البوابة الوحيدة له للدخول الى تكوينات العالم العربي السياسية لن تمر من خلال تكوينات سياسية اقل تأثيرا من دول كبرى ومؤثرة مثل السعودية ومصر.

لقد عملت السعودية ومصر عبر تاريخهما الطويل على ابتلاع الكثير من الحملات الإعلامية والمحاولات الدبلوماسية الهادفة الى تحويل مسار العلاقة بينمها الى منطقة صراع لا يمكن التوافق عليها، لهذه الأسباب سعت القنوات الدبلوماسية -وبشكل سريع- الى قطع الطريق على تلك الحملة غير العقلانية من اجل تشويه الصورة الدبلوماسية الحسنة التي طغت على العلاقة السعودية- المصرية خلال العامين الماضيين تحديدا.

ليس هناك كما تشير الارهاصات التاريخية والتقاليد السياسية بين السعودية ومصر ما يدعو الى القلق فيما يخص علاقة البلدين؛ فالتجربة السياسية هنا وهناك استطاعت ان تتجاوز تيارات وحملات أكثر ضراوة، فالتكوين السياسي للسعودية ومصر لن يسمح ان تساهم مجموعات مؤدلجة عقديا او مؤدلجة سياسيا ان تقود توجهاته الدبلوماسية او تؤثر في تشكيلات علاقاته التاريخية. 

نقلاً عن جريدة " الرياض"