«تخمة» وظيفية
لعل أشهر ما يشاهد في الدوائر الحكومية، ذلك الكم الهائل من الموظفين الذين يدخلون ويخرجون كل يوم في مبان فخمة تتنافس الوزارات والهيئات في إنشائها.
كما أن أصعب النقاشات وأكثرها حدة وغضبا هي مناقشات إحداث الوظائف التي لا تحقق سوى إثقال كاهل الوزارات بالمزيد من الأعباء البعيدة عن مجال عملها الأساس.
أذكر أن إحدى الإدارات كانت تشغل عشر غرف – دون مبالغة – تشغل اليوم أكثر من عشرة مبان يزيد عدد غرفها على الألف. لعلم القارئ فالإدارة تقوم بالمهام نفسها ولم يضف إلى نشاطها أي جديد.
إحدى الوزارات قسمت إلى وزارتين ومع ذلك احتفظت بمبناها الأول، وتسلّمت مبنى جديدا يمكن أن يخدم أكثر من أربع وزارات، فلِمَ هذا الهدر؟
هناك نسبة توازن في عدد الموظفين مع المهام المطلوبة. عندما يتجاوز القطاع تلك النسبة يصبح أثر زيادة أعداد الموظفين عكسيا، أي أنه مع استمرار الزيادة في أعداد الموظفين سيستمر انخفاض الأداء. فإذا أضفنا لهذه الحقيقة دخول الحاسب الآلي وتمكين الموظف من أداء مهام أكثر بحكم سيطرة التقنية على عدد كبير من الأنشطة، يتضح حجم الهدر.
ذكر وكيل وزارة الخدمة المدنية أن 80 في المائة من موظفي الدولة لا يُستفاد من قدراتهم، وهي – في اعتقادي – تلطيف لتسميتهم "بطالة مقنعة". أتفق معه بحكم ما يشاهد يوميا في شوارعنا التي تعيش ساعات ذروة تستمر طول ساعات الدوام الرسمي، وما يلاحظه الناس من تباطؤ في الأداء سببه تجاوز الأعداد المعقولة للتوظيف.
لا تتهموني بمعاداة المواطن أو رفض توظيفه، بل إنني من أشد المنادين بتوظيف الناس والاستفادة من قدراتهم فيما يلائم ما يحملونه من مؤهلات وخبرات وقدرات شخصية.
أعتقد أن الحل الأمثل هو أن يقدم وكيل الوزارة دراسة توضح للقيادة الحجم المنطقي لكل وزارة وهيئة ومؤسسة حسب معدلات الدول الصناعية.
يربط ذلك بدور القطاع الخاص الذي يجب أن يوظف من يزيدون على حاجة الدولة في وظائف ملائمة ذات مردود مادي يعادل أو يزيد على ما تقدمه الدولة.
يمكن أن تسهم الدولة بدفع نسبة من الرواتب بدلا من الصرف على أشخاص لا يعملون في مكاتب الدولة ويكلفونها من الطاقة والمنشآت والصيانة والخدمات أكثر من ذلك.
نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية"