الخليج العاري.. وإيران النووية!

لكي نكون على يقين مما يجري حولنا فعلينا أن نفترض الاحتمالات الأسوأ لاتفاقٍ إيراني مع الدول الست حول مشروعها النووي بما فيه إنتاج قنابل خارج ما تروجه لبرنامجها السلمي، لأن ما يُسرب لنا هو مجرد شكليات لا تمس حقيقة ما تخفيه ليس النوايا فقط بل المتغير السياسي والأمني على أرضنا ومحيطنا الجغرافي..

حصول إيران على هذا السلاح سيجعلنا أمام حقيقة الدفاع عن وجودنا أمام دولة لا تدين أو تعترف بالسلام والتعايش بجوار هادئ، والدافع هنا يفرض علينا أن يكون لنا نفس المشروع دون الالتفات إلى رأي دولي أو ضغوط من أخرى إذا كانت ترى في امتلاك إيران سلاحها حقاً طبيعياً أسوة بغيرها، وهذا ما نراه اتجاهاً عاماً في المباحثات حتى لو زُيّنت ببعض (المكاييج) كطلب أعضاء في الكونجرس الأمريكي فرض مزيد من العقوبات، أو تشدد الموقف الفرنسي، بينما روسيا والصين تقفان معها وفقاً لجدلية سياسة المحاور وتنافسها، وبيعهما المفاعلات النووية لها..

قيل وسُرب أن السعودية تضع في حساباتها هذا الخطر، وفي مواجهته سوف تقوم بشراء هذه الأسلحة من باكستان، أو يدفعها للاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية لهذا الأساس، وأن هناك دولاً عربية خليجية أو مصر قد تلجأ لما هو أسهل الطرق كشراء هذه الأسلحة من كوريا الشمالية وباتفاق مع حاميتها الصين، أو اللجوء إلى عمل مماثل بدفع عودة روسيا للمنطقة من خلال إنشاء قواعد حماية عسكرية بينها نفس الأسلحة وبتسهيلات ومغريات تجعلها على نفس معادلة القوة مع الغرب، ومع أن هذه الخيارات غير متحققة في الواقع المعاش لأن القوى المالكة لهذه الأسلحة لا تريد انتشارها ولكنها عجزت عن منعها من التوسع، وبالتالي فالخيار الوحيد هو تبني العمل الذاتي والاعتماد عليه طالما مغريات السوق مفتوحة في بناء المفاعلات واستيراد الخبراء والعلماء وهي قضية نجحت مع صانع أول قنبلة ذرية أمريكية العالم الألماني براون، وكذلك امتلاك السوفيات نفس السلاح بالاستعانة بخبرائهم مع العلماء الألمان، ولم تعد التقنيات الحديثة بنفس تعقيدات القديمة للبدايات الأولى كما حدث لباكستان مع الهند، أو كوريا الشمالية مع الجنوبية، وإسرائيل مع العرب، وكذلك النوايا التي أدت إلى تبني نفس المشاريع لجنوب أفريقيا والتعاون مع إسرائيل لهذه الغاية لتكون الدولة الأفريقية الأولى بامتلاك هذا السلاح..

الاتفاق القادم بين الدول الست وإيران لم تعد تمنعه مواقف التشدد التي استعملتها في بدايات اللقاءات أمام موازنة بين مصالح الطرفين وحتى الروس والصينيين، وطالما نحن ميدان المعركة والخطر القادم، فماذا عن رؤية دول الخليج العربي، هل تترك الأمور تجري وتقر بالأمر الواقع وتداعياته على أمنها، أم تبحث عن طريق ليس فيه أي خيارات أخرى أي مواجهة دولة طامعة وطامحة أن تكون السيد في منطقتنا وعلى حدودنا بما فيها مبدأ التوسع الذي لا تخفيه أيدلوجية الملالي، ولا تصوراتهم نحو دولة إيران الكبرى؟

أعرف أن اتفاقاتنا الأمنية بدول المجلس لا تزال غارقة في التعقيدات والريبة من بعضنا، وأن هاجس الحماية لنا من الدول العظمى قائم لأن لهم مصالح استراتيجية معنا، وهذا كله مرتبط بتغير السياسات وهو ما نشهده بعدم أهمية نزول أو صعود النفط حيث لم يعد الأساس الذي تُرسم عليه الاستراتيجيات الحديثة، والعاقل هو من يفهم هذه التطورات ويدرك أبعادها ومخاطرها..

نقلاً عن صحيفة " الرياض"