كيف تتم صناعة العقل الإرهابي؟!

من هي الواجهات الظاهرة للعمل الإرهابي، والأخرى الخفية التي تستقطب وتدير العمليات بمهنيات متقنة، وكيف يتم غسل الأدمغة، هل فقط بواسطة ما نتداوله من أفكار عامة بالتهيئة لمغريات الجنة وحورها، وبإعداد للشباب المراهقين للإقدام على الانتحار، في وقت نجد من يقف خلف استخدام تقنيات العصر الحديثة جداً من مهندسين وإعلاميين وخبراء اتصالات هم مجرد لعبة لأصحاب الواجهات التي تظهر بعمائمها السوداء وأعلامها، وكيف نصدق أنه لا يوجد خلف تلك العمليات جيوش تعرف أسرار تشبيك وتلغيم السيارات المفخخة أو استعمال الحيل الدقيقة بالوصول إلى المواقع المحصنة، ولا تكون هذه الأجهزة تدار بعقول (مؤدلجة) ليس فقط بدوافع عقيدة التطرف الديني، وإنما وراءها قوى تغسل الأموال وتتاجر بالمخدرات وحتى الجواري في سبيل إضافة أموال لخزينة تلك الجماعات، وهي المحرمة دينياً وأخلاقياً، وكيف نصدق أيضاً أن مجاميع من خريجي السجون، أو من حاربوا بمواقع الدول الهلامية في أفغانستان والشيشان والعراق وغيرها ومن لا يفقهون بالدين إلا مجموعة أحاديث نبوية وآيات قرآنية، أن يسلبوا عقول أطباء ودكاترة علوم وكيمياء لديهم الدراية بمزج المواد الكيماوية، وصنع المتفجرات، لولا أن الغايات أبعد من المظاهر التي نراها بوسائل الاتصال الحديث ونجهل الحقيقة الخفية، ونحن نرى جماعات تأتي من كل القارات لا يفهمون الدين الإسلامي، ولا اللغة العربية، ولا بسنّ القاصرين يقبلون على النحر والانتحار وهم قادمون من دول ديموقراطية مترفة، ونركض خلف سراب الإعلام الأجنبي الذي دجّن عقولنا وحولنا إلى ببغاوات نردد ما يقول ونؤمن بأفكارهم حتى بشن الحروب على الإرهاب بعد قبض الثمن مضاعفاً لولا أن الأسرار تبقى في دهاليز الاستخبارات الدولية ومن تعلموا كيف يديرون المعارك الخفية والمعلنة؟

نعرف الجهود التي تقوم بها أجهزة الأمن العربي، أو بعضها في ملاحقة الإرهابيين ومحاولة الوصول إلى مخابئهم ومموليهم وبعض أفكارهم، لكنها عجزت عن كشف الأهداف التي لها غايات لا تزال مجهولة حتى إن ركوب موجة الدين بعد فشل كل العمليات من أحزاب يمينية ويسارية ووسطية وانقلابات ومؤامرات، لم تحقق ما قامت به القاعدة وتفرعاتها حتى أصبحت إيدلوجية شمولية أسرع من تجنيد الشيوعية والحركات العلمانية العربية والإسلامية، لأن الدين العقيدة الثابتة التي تمنح مغريات ليست دنيوية، وأن من تقنعهم طرق التعامل مع العقلية والنفسية الإسلامية بالوصول إليها بأسهل الطرق، هي التي تصلح أن تدخل المعركة السياسية في صراع العقائد والأديان والحضارات، وبين الكفر والإيمان وفسطاطهما..

نحن أمام حالة فريدة اختلط فيها الديني مع السياسي، مع المؤامرة والأعمال السرية أي إننا أمام أخطبوط يمد أذرعته للرقاب والجيوب ويمتهن كل ما في إدارة المعارك من غسل للعقول من خلال هندسة إنسان صالح للعمليات المختلفة وبأقل الجهود والأجور، بمعنى أدق نحن ندخل معارك جديدة وبفلسفات مستحدثة أكبر من نظريات الصراعات المادية والكونية وتقاسم النفوذ، إلى عمل توفرت فيه كل الغايات ومعركته العالم الإسلامي المعادل الوهمي للغرب بالعداوات والصراعات وهي الكذبة الكبرى التي لا نزال نصدقها..

نقلاً عن صحيفة " الرياض"