شخصيات الجوال

أبدأ بتقرير حقيقة أنني ممن يشكون في أي شخص يستخدم جهازي جوال. من هؤلاء أستثني من تمنحه جهة عمله جوالا لسبب وظيفي بحت. أما البقية فلست أفهم سبب حملهم أكثر من جهاز، إلا أنهم يخبئون في هذه الأجهزة ما يخافون أن يطلع عليه الناس، خصوصا الأقربين.

يتبع نظريتي هذه أمر قفل الجهاز برقم سري لا يعرفه أحد. هذا يثير الريبة أكثر عندي، إنه دليل على وجود "بربسة" يخشى الواحد أن يطلع عليها أهل بيته، سواء كان شاباً في مقتبل العمر، أو كهلاً في منتصفه، ويتأكد الشك عندما يكون شيخا تجاوز كل إمكانات "البربسة"، وأصبح مطالبا أن يكون القدوة لمن دونه من الأبناء والبنات والجيران والجارات.

تخيلوا أن تكون كل أجهزتنا مفتوحة ومتوافرة للكل، ألن يكون ذلك دليل الشفافية والاحترام المتبادل والثقة المشتركة داخل المنزل؟ لكن هيهات أن يحدث ذلك في مثل مجتمعنا. مجتمعنا الذي يصطنع أفراده الشخصيات المختلفة ما إن يدخلوا المدرسة الابتدائية.

يبدأ الطفل في هذه المرحلة حالة من الفصام بين شخصيته في المدرسة وخارجها. ثم يتطور في مراحل تالية، ليكون شخصية مختلفة مع أصدقائه، ثم تظهر شخصية رابعة بعد الزواج فيتعامل كل منهما مع شريكه بشخصية جديدة، تأتي الشخصية الخامسة في مكان العمل، أكثر الشخصيات ورعا وتقوى تبرز عندما نرزق الأطفال. إذاً أغلبنا لديهم ما لا يقل عن ست شخصيات في مسرحية الحياة.

هنا نفهم أن يكون المرء حريصاً على أن يخفي واحدة أو أكثر من تلك الشخصيات، فلا بد أن تكون منها واحدة "يتفشل" منها، أو يخشى كشفها أمام أبنائه وزوجته على الأقل. تتضح كذلك حقيقة أن الرقم السري هو الوسيلة لإخفاء المقاطع والأرقام والمحادثات التي لا نريد "للرقابة" أن تراها.

هذا يفسر الإحصائية الغريبة التي تجعل نسبة تملك الجوال تصل إلى نحو 200 في المائة بالنسبة للسعوديين. يعني هذا أن كل واحد ممن بلغوا سن الرشد يملك ما لا يقل عن ثلاثة جوالات بعد إلغاء الأطفال والطاعنين في السن. أتمنى أن تنخفض النسبة من خلال ترسيخ الثقة بالأسرة والخروج من سجن الشخصيات "المشبوهة".

نقلاً عن "الاقتصادية"