حج بـ 2500

عندما حججت أول مرة كانت رحلة روحية لا يمكن أن أنساها. أهم ما في تلك الرحلة كانت البساطة. مررنا حينها بمخيم كبير لأحد الأعيان، ففرح بنا واستضافنا وأحسن العناية بنا. شاهدت في تلك الأيام كثيرا من تجار مكة المكرمة وهم يقدمون الطعام للحجاج. كنا نسير على الأقدام في كثير من المناسك، بل إن الازدحام الذي نراه هذه الأيام لم يكن وارداً، وقد يكون من قبيل الأساطير لو قلته للناس في ذلك الوقت.

لكن الحال تغير، ورزق الله خلقه الخير الكثير، وتوافرت وسائل السفر، وسهلت عملية الحج لدرجة أن كثيرين لا يقيمون أكثر من خمسة أيام بعيداً عن بيوتهم وأهليهم، حتى إن قدموا من أوروبا أو شرق آسيا. مع الارتفاع الهائل في أعداد الحجيج، والطفرة الإنشائية في مكة المكرمة والمشاعر، ظهرت الشركات وانطلق عاشقو الأرباح، فارتفعت تكلفة الحج لدرجة جعلتنا نسمع عن أسعار خيالية تتجاوز 50 ألف ريال للحملة.

ظهرت أخيراً إعلانات الحج المخفض التي ما إن يتجه نحوها المواطن حتى يكتشف أنها من قبيل الدعاية التي لا تقبل التنفيذ. خلال الفترة الماضية ظهرت إعلانات كثيرة عن مخيمات مخفضة لا تتجاوز تكلفة الحج فيها 2500 ريال. بل إن البعض كانوا يقدمون أرقام هواتف وأسماء حملات بدون رسوم نهائياً.

المهم أنني قررت أن أتأكد من صحة المعلومات، فتوجهت لموقع وزارة الحج، حيث وجدت أن هناك فعلاً حملات حج منخفضة التكلفة، وأن المعلومات الواردة في الرسائل صحيحة. دخلت الموقع للتسجيل، وبعد فحص معلوماتي، جاءتني رسالة تقول إنه لا يوجد أي حملات مخفضة يمكن أن أسجل فيها.

على أن الحملات تصل أسعارها إلى 5250 ريالا، ومع ذلك فهي أسعار معقولة بحسب الذي نشاهده هذه الأيام من أسعار خيالية، ما جعلني أعيد التفكير في هذه الحملات المخفضة هو المساحة المتاحة للحاج في الخيمة أو مكان الإقامة، التي لا تتجاوز 1.6م مربع، وهي أصغر من القبر. لا يهم، المهم أن الحملات غير متوافرة، ولا يمكن الحجز على حملة مخفضة، ومن يريد الحج فعليه التوجه إلى حملات تتجاوز أسعارها 15 ألف ريال، لنفقد الروحانية وكأن الحج في أصله تجارة.

نقلاً عن "الأقتصادية"