حتى تطير الصقور

في زمن قديم تلقى أحد الملوك صقرين، جمالهما أخاذ ومن سلالة صقور مشهورة، وعبّر الملك عن سعادته بالهدية وقال: إنهما أجمل ما رأيت من الطيور.

أمر الملك بالعناية التامة بالصقرين وعهد لكبير مدربي الصقور بالقصر لتدريبهما على التحليق والقنص، وبعد مضي أشهر عدة سأل الملك خبير تدريب الصقور عن المرحلة التي وصل إليها في تدريب الصقرين؟

فوجئ الملك -وهو يستمع إلى تقرير المدرب- بأن أحد الصقرين ربض غير مغادر فرع شجرة كبيرة، بينما الصقر الآخر حلق في عنان الفضاء بشكل مهيب ورائع، وأنه لم يُشاهَد من ذي قبل طير مدهش وسريع في التنقل وتغيير الاتجاهات.

أمر الملك وعلى وجه السرعة بإحضار الأطباء والمتخصصين من أنحاء البلاد كافة، وطلب منهم بحث موضوع عجز الصقر الرابض شهوراً على فرع شجرة، والعناية به وبذل كل الجهود ليتمكن هذا الصقر من اللحاق ببرنامج التدريب والتأهيل.

مرت أسابيع وعجز الأطباء والمتخصصون عن فك رموز امتناع الصقر عن الطيران، وإصراره المكوث على فرع الشجرة، وأصيبوا بخيبة أمل بالحصول على الدنانير من الملك، وتركوا المهمة ورحل كل منهم إلى غايته مكسور الوجدان.

أعيت السبل الملك لحث الصقر على الطيران، وفي خضم معركته مع التفكير خطرت بباله فكرة الاستعانة بمن أفنوا حياتهم في صداقة وعشرة مع طبيعة الحياة في الريف لعله بتجاربه الواقعية وفراسته يفهم أبعاد إحجام الصقر عن الطيران.

رشح له المستشارون فلاح جاء من أقصى المدينة بثوب قشيب، وعينين تلمعان بجمال الطبيعة ويدين اخشوشنتا من آثار الرزق الحلال، نظر الشجرة والصقر رابض كسول على فرعها، فاهتزت مشاعره والتقط فأساً، وبحدة النمر وخفة الصقر صعد الفلاح البسيط إلى الشجرة وكسر الفرع الذي يقف عليه الصقر، فإذا بالصقر يطير محلقاً فوق أسوار وحدائق القصر.
ابتهج الملك وهو يرى الصقر الجميل يحلق ويجوب عنان السماء.

وحضر الفلاح ليقف بين يدي الملك ويقول بثقة الخبير الذي ألف حياة الطبيعة: لقد أزلت خوف الصقر عندما كسرت فرع الشجرة الذي يقف عليه (انتهت قصة الملك مع الفلاح والصقرين).

لقد كان فرع الشجرة منصة عدم ثقة بالنفس، ونحن في حاضرنا المتلاطم بأمواج الخوف والفزع كذاك الصقر قبل كسر فرع الشجرة، أسارى لنزعة السكون وقبضة التردد، متشبثين بما ألفناه وتعودنا عليه، تتمرغ أفكارنا في ساحة الخلافات والشكوك، أخطاؤنا واضحة كالشمس في رائعة النهار، حتى أصبحت مثل كرة النار كل منا يقذفها باتجاه الآخر، كلما قلنا بردت عادت أكثر اشتعالاً، ويمتد الابتعاد منها أكثر فأكثر حتى اتسعت رقعتها.
السؤال المهم الذي نطرحه في يومنا قبل غدنا: متى سيأتي اليوم الذي نتعلم فيه كيف نكسر فرع الشجرة الذي نتشبث به لنحلق في آفاق الإبداع والنجاح؟

إن آفاق الممكن أمامنا كبيرة جداً، ومساحتها واسعة من دون حدود.

مع تمسكنا بثوابتنا وقيمنا الإسلامية التى يجب أن نراها نوراً نهتدي به وميزة تضيف لنا رصيداً، ولكن يجب أن ندرك مع اليقين أننا إذا أردنا الطيران إلى آفاق أرحب لمواجهة تحديات وأخطار مصيرية تحيط بنا لم يعد بإمكاننا أن نقول: «يمكننا» بل يتحتم علينا أن نقرر أولاً وبسرعة مغادرة الفرع الذي أحاط بتفكيرنا وندير به حياتنا اليومية، تشبثنا به طويلاً وآلمنا وقض مضاجعنا.
 
 نقلاً عن "الحياة"