كيلوجرامات شافعات

استقبلتني لوحة كبيرة تحتل مقدمة المبنى الذي أعمل فيه، تحمل تنبيهات من "نزاهة" عن حرمة الرشوة وخطورتها وعقوبتها الأخلاقية والدينية. لم تذكر اللوحة العقوبة الإدارية، هذا رغم أن الإدارة التي أعمل فيها لا علاقة لها بالمال ولا يمكن أن تكون فيها قضايا الرشوة.

دفعني هذا "الحول" إلى استرجاع حالة كانت العقوبة فيها مشجعة للرشوة بدل أن توقفها.

عندما حكمت المحكمة على كاتب عدل ورجل أعمال بغرامة قدرها مليون ريال وسجن مدته سنة، إثر إدانتهما في قضية رشوة مبلغها 60 مليون ريال، كان القرار صادماً لكل شخص قرأه. فكيف يستوي أن يسلب شخص مبلغ 60 مليون ريال ثم يحكم عليه بإعادة مليون واحد والاحتفاظ بـ 59 مليون ريال .. أي تجارة تلك التي مكسبها بهذا الشكل؟!

قال زميل: بل عقوبة الحرمان من الحرية هي التي ستقهر الفاعلين وتردع المحاولين. لم أوافقه، ذلك أن أي موظف عام مهما بلغت مرتبته عندما يقع حبيس الوظيفة لمدة تتجاوز 200 سنة فهو لن يجمع هذا المبلغ، ولو لم يأكل ويشرب.

إنما أن يأتي الحكم بإعفاء كاتب العدل من السجن بسبب "سمنته"، وأمراض الحضارة التي يعانيها أسوة بأقرانه من ملاك الملايين، فذاك لعمري خرق للعدالة و"احولال" لا بد من تصحيحه.

بالتأكيد ستصيب المرتشي السمنة المفرطة بسبب مثل هذا، وهو دافع لكل من ترفع عليه قضية أن يأكل بشراهة حتى يضمن المزيد من "الكيلوجرامات الشافعات".

أظهرت دراسة أن 68 في المائة من المستثمرين في المملكة متورطون في قضايا الرشوة، وتطفو على السطح كل يوم قضايا جديدة متعلقة بالرشوة. لم تكن الرشوة بهذا القدر من الانتشار، بل إنني أزعم أن الرشوة تستفحل يوماً بعد يوم، ذلك أنها لا تكتشف ــ في الأغلب.

تنتشر الرشا بسبب ضعف الوازع الديني، وضعف التوعية بمخاطرها، وأنواعها التي أصبح بعضها عرفاً لا ينتبه المسؤول لمخالفته القانون. فليست الرشوة أموالاً تدفع، إنما قد تكون سيارات أو "حلالا" أو "مفطحات" أو شققا للإجازات أو تذاكر سفر أو حتى قبولا للأبناء في الجامعات.

لكن أكبر مساهم في انتشار الرشوة والفساد بعمومه هو العقوبات "المشجعة" مثل هذه.

نقلاً عن "الاقتصادية"