مواطن وقدره..

قرأت قبل فترة خبراً تحت عنوان "الاتحاد الأوروبي يعرقل خطط مالطا لبيع جنسيتها" خوفا من غرق أوروبا بالمهاجرين الأجانب.. فهذه الدولة الصغيرة - الأقرب الى ليبيا من أوروبا - تتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي وتتمتع بكافة مزايا وحقوق الدول الكبرى فيه.. 

غير أنها بعكس الدول الكبرى لا تملك اقتصادا ضخما ولا موارد مالية كافية فلجأت الى حيلة قديمة تتمثل في بيع جنسيتها مقابل 650 ألف يورو فقط (أو ما يعادل 3,300,000 ريال فقط).. 

ولم يكن الأمر يستحق كل هذا الضجيج لو لم تكن مالطا ضمن الاتحاد الأوروبي الذي يمنح مواطنيه نفس الحقوق والمزايا في جميع الدول - بما في ذلك حرية العمل والاستثمار وشراء العقارات والتنقل في بقية الدول.. 

ولهذا السبب تدخلت المفوضية الأوروبية لتعديل أو إلغاء هذا القانون في مالطا.. وبعد أشهر من المباحثات توصل الطرفان الى حل وسط : يبقى العرض المالطي كما هو في ظل اضافة شرط جديد هو عيش المشتري في مالطا لمدة عام على الأقل..(حسنا، من يكره ذلك)!! 

وأنا شخصيا أجد أن الأوروبيين قد ظلموا مالطا في اقحامهم هذا الشرط، فجميع الدول الأوروبية تقريبا - بما فيها ألمانيا وفرنسا - تملك أنظمة بيع مشابهة تحت حجج استثمارية شتى. حتى بريطانيا – الدولة الأكثر انتقادا لسياسة اليورو – أعلنت مؤخرا تساهلها في شروط الاقامة الدائمة مقابل اسثتمار200 ألف جنيه إسترليني فقط. أما سويسرا البعيدة عن صداع الاتحاد الأوروبي فتتطلب شهادة بنكية بالثروة التي يملكها طالب التجنس (فمن غير المعقول أن تكون سويسريا وفقيرا في نفس الوقت). أما في موناكو فيمكن للأثرياء فقط الاستقرار لأي فترة يرغبونها بحجة أن أوراقهم "مازالت قيد الدراسة".. أما في النمسا فإن طلب الجنسية يأتي بسهولة إذا "تبرع" المتقدم بمبلغ محترم لأحد الأحزاب المؤثرة!! 

وفي الحقيقة تعد أوروبا متشددة مقارنة بدول أمريكا الوسطى واللاتينية حيث يمكنك الحصول على الجنسية بقليل من الاستثمار وكثير من الرشوة.. أما في دول العالم النامي فالأمور أكثر طرافة وإثارة للسخرية.. ففي الدومنيكان مثلا كل ما عليك فعله - للحصول على الجنسية - هو أن تشتري بيتا. وفي جزر بيليز لا داعي لحضورك أصلا ما دمت ستشتري سندات حكومية. أما في الفليبين فمن المهم دفع المبلغ المناسب للرجل المناسب. وفي بارجواي الهندوراس من الممكن الحصول على جواز سفر من أماكن بيع العملات الصعبة. 

وفي مورشيوس يكفي أن تفتح " كشك سجائر" على إحدى الشواطئ السياحية. 

وفي بنغلاديش يمكن أن تشتري حق الجنسية من أي مواطن. وفي إندونيسيا - حيث الجزر بعدد البشر - يمكنك الادعاء أنك من مواليد إحدى الجزر النائية (ومين داري). وفي كمبوديا حيث أباد الزعيم الشيوعي بول بوت ثلث الشعب أصبح انتحال هويات الآباء المتوفين أسهل من "سلق البيض"‍.. 

أما في أمريكا الشمالية فكانت كندا السباقة في بيع جنسيتها لجذب الثروات الفردية المتنامية في الشرق الأقصى. وكان إقليم كويبك قد أعلن (منذ عام 1986) عن قانون يسهل الحصول على حق التجنس لكل من يستثمر250 ألف دولار فقط.. وفي الأعوام التالية أجرت بقية الأقاليم تعديلات كثيرة على قوانين الهجرة لديها الغرض منها استقطاب اثرياء هونج كونج ممن عزموا على الرحيل قبل عودة الجزيرة للصين! 

وبعد نجاح السياسة الكندية اصدرت الولايات المتحدة (عام 1990) قانونا يجيز حق الاستقرار لكل من يستثمر 500 ألف دولار أو يوظف 50 أمريكيا على الأقل.. 

- باختصار شديد؛ 

لا يقف العالم عقبة أمام رجل يملك الكثير من المال والقليل من الانتماء الوطني.. 

وفي المقابل قد يواجه بالعقبات من يملك القليل من المال والكثير من الانتماء الوطني.. حتى داخل بلده..



نقلاً عن "الرياض"