الهم الدائم!!

جدلُ الوظيفة، والموظف صارا لغة الهمّ اليومي، فكل عاطل عن العمل يطالب بحقّ عادل، ولكثرة تداول هذه الموضوعات، صار كلّ يعلق الأمر على الكفاءة والاستعداد الذاتي للعمل، وهذا منطقي إذا قسنا التعليم ودوره المتباطئ في دفع المجاميع إلى مختلف الاختصاصات والمهن، غير أن المشكل هو أن وظيفة الدولة أصبحت الجاذب، لأنها لا تركز على الانضباط، ولا على الإنجاز والأداء المميز، إلى جانب سلبيات الحضور والغياب، واللامسؤولية، حتى صارت الأكثر أماناً وظيفياً، والأقل عطاءً..

وما لم توجد أنظمة ملزمة تساوي بين الجميع في الأداء، فإن الدولة ستبقى من يعلّم ويوظف، وهذا في أي عرف عالمي غير منطقي ولا يمكن العمل به، لكن ماذا عن جهات التوظيف الأخرى، القطاع الخاص، والشركات والبنوك وكلّ من يساهم في دورة الحركة الاقتصادية والاجتماعية؟

لنرَ، هل التعويض عن البطالة سوف يسد هذه الثغرة ويؤمن الدخل الدائم، أم هو حل مؤقت في وقت تشير الإحصاءات عن العام المنصرم إلى أن النسبة بلغت 12٪ أي ما يزيد على نصف مليون من الشباب بلا وظائف؟

وكما اعتدنا فإن هذه الفئات تُتهم بأنها غير جادة ولا مؤهلة، وأنها تقبل بأجور أقل، وتسيّب في العمل لأنها لم تتعود على مبدأ الأخذ والعطاء كعملية تبادلية في المصلحة العامة.

هناك اجتهادات من عدة وزارات على خلق حلول تصاحبها فرص عمل في كل القطاعات، وقد تأخرنا عن إيجاد المنافذ التي تفتح الأبواب للجميع، لكن ماذا عن آلاف المهندسين والطيارين وجيوش من الدكاترة الذين تُبعدهم الجامعات عن سياسة الإحلال كبديل عن المتعاقد والمحال للتقاعد، وكيف نلزم جهات عديدة بفرض التوظيف لأصحاب هذه المؤهلات، طالما كل جهة ترى الحق معها في وقت لا ندري من هو صاحب القوة في فرض النظام؟ سلبيات البطالة والتسرب الوظيفي، والهروب من المدارس، هي التي خلقت التوجه للإرهاب والمخدرات والانحرافات الأخلاقية الأخرى، ولم تتعلق بتلك العينات فحسب، وإنما جرت معها عائلات وأفراداً من عائلات أخرى وجدت نفسها أمام عوامل قاهرة بين رفاق أبنائها، ومضاعفات هذه المشاكل قد تخلق الهجرة المعاكسة للعقول التي تعبنا على تنشئتها وتعليمها وتدريبها، أسوة بدول عربية لا تزال تعيش حالة استنزاف لأفضل كفاءاتها، إما بسبب نقص فرص العمل، أو الأحوال السياسية والنظم المتخلفة، وبدلاً من توطين هذه العقول نجد من يحاربها بالتخلف الإداري، أو جلب العمالة الخارجية، ودون حماية لمصالحنا وأهدافنا التي من أجلها خسرنا جزءاً مهماً من دخولنا في التعليم والتأهيل..

محاربة البطالة هدف استراتيجي لكل دولة متقدمة في العالم، ونحن لا نزعم أننا حصلنا على احتياجاتنا التي تسد فراغ العمل المنتج، ولكننا بلا تشريعات تحقق هذه المصالح العليا والأساسية طالما الصلاحيات لا يحكمها ضابط، ولا عقوبات لمن يدفع بالبطالة لتحقيق الربح على حساب مثل هذا الاتجاه، ونحن الآن نعيش مرحلة الإنذارات قبل أن تحل الكارثة التي سيدفع كلنا ثمنها.. 

نقلاً عن جريدة "الرياض"