وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمناً

عندما يُفتتح مطعم في الغرب أو أماكن لهو ليلى فالميزانية الأمنية تمتص جزءاً كبيراً من الدخل، ولذا فإن تلك المطاعم المرتفعة جداً تُحسب من ضمن (الأوفرهيد) أي مصاريف التشغيل والإدارة. ووجد الباحثون أن وظائف الأمن لا يُعلن عنها خوفاً من الاختراق. ويجري اختيار ال (باونسرز) Bouncers بالتوصيات. والكلمة تعني رجالاً أشداء شرسين، لكنهم يرتدون ملابس أنيقة، ولهم هندام لا يفرق عن أغنى الزبائن والرواد الأثرياء. 

وقرأت أن العروض تأتي لصاحب العمل، ولا يبحث عنها. وأن عصابة تبيع ال Job على عصابة أخرى. والمؤسسة مطمئنة بأن مسئولية القائمين بالعمل تمنع قيام عنف أو تخريب من أي طرف. لأن رجال الأمن الرسميين لا يصلون إلا في مراحل متأخرة، فالاعتماد على الحراسات الخاصة مبدأ من مبادئ تسيير الأعمال. 

 أظن أن الشركات الأمنية مثل شركة بلاك ووتر، ستصبح بذرة لصناعة أو "بزنس" ذاك النوع من تآلف المرتزقة أعلنوا أنفسهم دولة فوق القانون، ومنحوا أنفسهم صلاحيات عسكرية وأمنية، واتخذوا من عملهم في الحراسات ستاراً لممارسة التسلط على الناس، ولا يحكمهم قانون أو دستور ولا يخضعون لمحاكمة. 

لا عهد للبشر بهذا النوع من الأمن.. فقد كانت الجيوش عماد الوطن، والشرطة قواماً للأمن الداخلي. 

بدأ ذاك النوع من "الاستثمارات" ب "خدمة الحمايات الخاصة" (بودي غارد) فاستعذبه الزبائن، ثم تطور إلى "جيش قطاع خاص"والله أعلم إلى ما سيتطور بعد.. بحرية؟ طيران؟ أراهم ملكوا الطائرات العمودية والرادارات ومعدات تقنية الرصد والمتابعة والتنصت. 

يبدو أن مستثمري النقص في التفكير الأمني لدى الأمم وجدوا في بيروقراطية وبطء الجهاز الحكومي عنصر جذب، يستحق خوف الحكومات على سلامة الإجراء العسكري، والذي سينعكس فشله على نتائج الانتخابات (عندما تنامى عدد المفقودين من الجيش النظامي) فكوّنوا هذا النوع من الشركات وأوحوا إلى العملاء بأن النواحي الأمنية تتطلب سرعة الاستجابة وهم (أي الشركات) يستطيعون مجابهة الطوارئ بطريقة أكثر كفاءة من الإجراء الحكومي النظامي الذي يتطلب ورقاً وموافقات، فوق هذا فالمفقود من المرتزقة لا يحسب من الخسائر. 

وقد تصاعدت الحاجة إلى الاستعانة بهذا النوع من القوات "المرتزقة" على نحو لم يسبق حدوثه منذ وجود المرتزقة في الكونغو في ستينيات القرن الماضي.. وابتدعت الفكرة الدول الكبرى فاستعانوا بالشركات الخاصة لعمليات الحراسة والنقل والإيواء (اللوجستية) ولم يعد الأمر يقتصر على أفراد القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية، بل انضم إليهم أفراد من تشيلي وكولومبيا. 

لم يعد "حب الوطن" النشيد الحماسي لدى شركات الأمن الخاصة.


نقلاً عن جريدة "الرياض"