الأزمة الساخنة بين دول الخليج العربي

مجلس التعاون الخليجي نشأ بالتراضي وليس الفرض، ولم يكن هناك خلاف على هذه الولادة حتى أن الأبواب جاءت تأسيساً لهذا التعاون وترقيته إلى اتحاد أو وحدة وكان في صلب أهداف هذه الدول، وبعيداً عمن فسر هذه النشأة بأنها رد فعل عاطفي على الثورة الإيرانية، فالحقيقة أن الموضوع إستراتيجي بالدرجة الأولى وسبق الثورة بسنوات طويلة كمشروع عربي..

لم يكن المجلس مثل وحدة سورية ومصر، ولا الدعوات بتكتلات تقوم على الأيدلوجيا بين يمين ويسار، ولكنه وجهة نظر تبلورت في هذا المجلس، ومع أن الحقيقة تكشف لنا أن الثلاثة عقود الماضية لم تأت بنتائج إيجابية، فاللوم يشترك به الجميع، لأن المسألة دخلت جدليات ومماحكات عطلت هذا المشروع، والأزمة ليست خليجية فقط، وإنما بطبيعة الأنظمة العربية كلها التي تنزع إلى الدولة بدلاً من التكتل أو التضامن والاتحاد، ولعل النظم السياسية ذاتها وانقسامها التاريخي منذ استقلال بعض الدول وإلى اليوم مشكل معقد، والدليل أن الجامعة العربية هي تجسيد الإعاقة بين هذه الدولة..

عُمان عرفناها تنزع إلى عدم التشابك مع القضايا الساخنة، رفضت مقاطعة مصر ولم تكن مع أو ضد العراق زمن صدام، وإيران الخميني في حربهما المستعرة، وهذا حق طبيعي للحياد غير أن تصريحات المسؤول عن الشؤون الخارجية العمانية يوسف بن علوي كانت مستعجلة عندما أعلن أن بلده يعارض تأسيس أي اتحاد خليجي، ولو تم فتنسحب من مجلس التعاون، ولا يمكن تفسير هذا الكلام بأنه عفوي أو رد فعل عاطفي، وإنما موقف خاص، وهذا لا يلزمها بأن تبقى أو تنسحب من تلك العضوية مع أن التعاون أو الاتحاد، أو أي اسم يطرأ لا يعطي التفاؤل في مراعاة المصالح بين هذه الدول ولا ما يقسمها ويجعلها تتعارض بأفكارها وطروحاتها..

فالاتحاد، سواء تم بعدة دول، أو بأكثرية سوف يخضع لتجارب وسن نظم وقوانين ترسم عليها الاتفاقات، وهو ليس تكتل ضد أحد وإنما كأي عمل يجمع عدة دول ويوفق بين أعمالها وتأكيد دورها الاقتصادي والأمني، وإذا كانت عمان تدرك هذه الحقيقة فلا أحد يجبرها أن تنتظم بهذا العقد أو تنسحب منه، لأنه لا يوجد نص في أنظمة ومواثيق المجلس ما يجبر أي دولة على البقاء والانسحاب..

صحيح أن عوامل الفشل وعدم الوصول إلى تعاون فعلي يضع المجلس توأماً للجامعة العربية، وهذا أمر مؤسف، لكن لنعي واقع التحديات، وكيف أن غزو العراق للكويت وتهديد إيران لدول هي ضمن هذه الدول، تحملت هذه المسؤوليات دولة وأخرى ظلت خارج المسار، وإذا كان الواقع يفرض انتهاج سلوك ما يوفر غطاءً أمنياً لهذه الدول، فهي المعنية بسلامة وجودها والدفاع عنه، ومع ذلك فالقرار العماني إذا ما وصل إلى نقطة الافتراق فلن يكون الكارثة ولكننا نخسر بلداً مهماً في موقعه ودوره..

بالتأكيد أن قمة الكويت المقبلة ستشهد جدلاً ساخناً حول هذا الموضوع، لكننا لن نتفاءل بإيجاد حلول لأن أسلوب المجاملات هو السائد، ويصعب من خلال تجربة ما يزيد على ثلاثين عاماً التوفيق بين فرقاء يدعون العمل الواحد، وهذه التناقضات لها جوانب نفسية وسياسية واجتماعية، وأبرزها الخوف من نقص السيادة الوطنية بين دولة مركزية وأخرى فرعية مع أن ذلك لم يعطل الوحدة الأوروبية بتفاوت نسب القوة والضعف، ومع ذلك فكل ما يجري بالمجلس يضعنا أمام شك بأن الرغبة بالمجلس أو الاتحاد أمر يمكن أن يحسم بالعقل وليس بالعاطفة وحدها..

نقلاً عن صحيفة "الرياض" السعودية