الدراسة الجامعية ليست كتاباً يُحفظ

قدمتُ العديد من المحاضرات الخاصة «بأسواق المال» ومؤخرا قدمت محاضرتين لطالبات جامعة الملك سعود «قبل أشهر» وجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض قبل أيام، واثار استغرابي بعد ان قدمت ما لدي «نوع الأسئلة» فهناك تباين كبير جدا، وهناك مقولة مؤمن بها جدا، وهي أنك تستطيع الحكم على «الشخص أيا كان» من سؤاله أو الأسئلة التي يطرحها، ستعرف ماذا يحمل هذا الشخص من علم او فكر او قناعات، الأسئلة هي المرآة للشخص لكي تعرف ما لديه من مخزون علمي او فكري، وهنا لست بصدد تقييم عمل الجامعتين او غيرهما فهناك من هم أقدر ومتخصصون، ولكن هي ملاحظة « ملفتة « برأيي، وبحكم أن المحاضرة التي قدمت متخصصة بالمال والأعمال والبورصات، وركزت على الجانب العملي وربطه بالعلمي، فقد وجدت ان طالبات جامعة الملك سعود «متميزات» بطرح الأسئلة في الغالب منها، فهناك «فهم وعمق» وترتيب لها ومعرفة ماذا يردن أن يسألن، رغم انهن طالبات في البدايات ولا زلن يحتجن الكثير والكثير، ولكن هناك أداء أفضل وفهم أكبر، أما طالبات جامعة الإمام فلم ألحظ «السؤال» ذا العمق أو الفهم الكافي أو ترتيب وتنظيم السؤال بوضوح إلا حالة او حالتين. فهناك تباين في الطالبات كبير، ككتلة كاملة بين مجموعتين.

أعود مره أخرى، لكي أفسر ماذا يحدث أمامي في هاتين المحاضرتين، أن الطالبات (والأكيد أيضا الطلاب) يعانين من «النمطية» في التعليم، بمعنى ادق «كتب» تحفظ ويلتزم بها الطالب، فلا مجال لكي تعيش أجواء العالم في المال والاقتصاد والبورصات وأسواق المال، بل حصر على الكتاب، وقد تكون كتبا عفى عليها الزمن ولا تواكب المتغيرات الحالية، لم ألحظ حالة «تشجيع» على الاستنتاج والتفكير والغوص في ذلك، بل أسئلة محصورة بما تحتوي الكتب، وبعضهن مترددات ومرتبكات بسؤالهن كأنهه غير واثقات، وهذا يعني أنه لم يطلق لهن العنان ليتحدثن ويحاورن، وعليهم ان يلزمن الكتب التي يدرسنها لكي «ينجحن» ويحققن «العلامة الكاملة»..

وأثق أن كل أو غالب الطالبات سيحققن «التميز» في الدرجات والنجاح، والسبب هو «كتاب» يحفظ، ولا يخرجن عنه، وهذا برأيي ليس الأساس العلمي الحقيقي، بل اشدد على التشجيع على الاستنتاج والبحث العملي، والمواكبة، والتفكير، والنقاش والحوار، وغيره كثير من اساليب العلم الحديث، لا تحجروا على الطلاب والطالبات بكتاب يحفظ ويسمع وينصت ولا يناقش ولا يسأل ولا يحاور ولا يعترض، دعوهم ينطلقون للمناقشة والتفكير والحوار، دعوهم يخطئون لكي يتعلموا أكثر، لا بد من ديناميكية وحراك علمي حقيقي، الكتب موجودة والمعلومات موجودة، وكل شيء، ولكن غير الموجود هو «الفكر» و»الحوار» و»الاستنتاج» و»الابداع» و»النقاش» و»والأخذ والرد» مزيج من كل شيء هو ما نحتاج، لا تختزلوا العلم «بكتاب» يحفظ لينجح الطلاب.. أطلقوا حريتهم العلمية لكي يبدعوا وينجحوا.. كم من اختراع وجد من «محاولة وخطأ»؟ فما بالكم حين يكون التشجيع والتحفيز الفكري على الإبداع هو الأساس..

نقلاً عن صحيفة " الرياض"