استراحات الطرق .. مثال للأسوأ

كتبت الأسبوع الماضي عن حال الاستراحات في مدينة الرياض وهو حال الاستراحات الهادفة للربحية في كل مدن المملكة دون استثناء. طالبت بالرقابة والتطوير والتصنيف وإعادة التنظيم بما يحقق الغرض، ويتماشى مع متطلبات المستهلك، ويعبر عما وصلت إليه المملكة من مستوى اقتصادي. يمكن أن يقول القارئ أنت ''تنفخ في قربة مشقوقة''، ولا ألوم الكثيرين ممن يتملكهم الشعور بعدم تعاون الجهات المسؤولة عن خدمة المواطن، لكنني على قناعة أن كثرة المطالبة والمتابعة وقراءة المسؤول لما يكتب بحياد ومنطقية يمكن أن يحقق شيئاً، لمن يريد أن يخدم الوطن والمواطن.

بعد نشر الموضوع طالبني العديد من الأصدقاء بالحديث عن استراحات الطرق التي تعتبر من أسوأ ما رأيت في أي مكان في العالم، بل أستطيع القول إنها الأسوأ. خلال الفترة بين المطالبات وإعداد المقال عن استراحات الطرق، شاهدت مقطعاً مدته نحو ست دقائق انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث عن هذا الموضوع بالذات. كان عنوان المقطع ''حجاج الخليج يشتكون من خدمات الطرق في المملكة''.

ظهر في المقطع عدد من الحجاج الخليجيين الذين تحدثوا عن ''قذارة'' دورات المياه، وانعدام النظافة في المساجد، وعدم وجود تنظيم موحد يحكم الداخلين إلى المسجد لا وجود للإمام أو المؤذن، ولا حتى عامل نظافة. تذكرت أن الكثير ممن ''يدَّعون'' الإنجاز يهمهم ما يراه العالم الخارجي وليس المواطن. عشنا لسنين طويلة ونحن نسمع عبارات مثل تحسين صورة المملكة في الخارج، وهذه المواقع يزورها الأجانب، وغيرها من العبارات التي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تسيء للمواطن نفسه.

يجب أن يعمل المسؤولون لإسعاد المواطن، فإن رأى ذلك الأجنبي فبها ونعمت وإلا فالمواطن هو هدف ومرتكز التنمية وما تصرفه الدولة لتحقيقها. هذه الحالة من النفاق الدولي أنهت الكثير من المشاريع والخدمات، وحولت المواطن في أحيان كثيرة إلى السخرية من بعض المنجزات التي لا يرى أنها تخدمه وإنما تهدف لتحسين صورة البلد في الخارج.

يضاف إلى هذه النقطة أن المسؤول الذي يشبه ''النخلة العوجاء''، لم يدرك أنه يعيش بين ظهرانينا أكثر من ثمانية ملايين أجنبي، ويعبر أراضينا أكثر من 12 مليون أجنبي خلال العام، أوَ لن ينقل هؤلاء شيئاً عن الوطن والمواطن والإنجازات والإدارة والتنمية؟ بلى، سينقلون أكثر من ذلك، فالكثير منهم يختلطون مع فئات المجتمع المختلفة ويطَّلِع بعضهم على أمور لا يطلع عليها السعودي بسبب تبنى فكرة ''أن الأجنبي يستر علينا وابن عمنا يفضحنا''.

لهذا أطالب وأقول دائماً إن هذا المواطن هو الأساس وهو الحكم على نجاح وفشل الوزارات والهيئات والبلديات والشركات وقطاعات الخدمات كافة التي يجب أن تُسَخِّر نفسها لخدمته. صدقوني أيها المسؤولون أن هذا هو الواقع وإن حاول بعض مستشاريكم أن يوحوا لكم بالعكس.

عندما تترسخ هذه القناعة وتصبح ضمن رسالة وقيم ورؤية كل قطاع خدمي، سيبحث كل مسؤول عن رضا المواطن. هذا هو ما نطالب به. فسواء سَعُد حجاج الخليج بما تحويه مرافق الخدمات في طرقنا السريعة أم لا، فهي أنشئت في الأساس لخدمة آخرين هم المستخدمون الحقيقيون لهذه الخدمات، إنهم المواطنون الذين يتنقلون على هذه الطرق بمعدل لا يقل عن ثلاثة أضعاف المسافرين على الطرق من الأجانب.

سبق أن قدم الكثيرون حلولا، وفرحنا بتوجه شركة ''ساسكو'' لفتح مطاعم ومقاه في محطاتها، لكن حالة النظافة في المرافق التابعة ما زالت على ما هي عليه. على رغم سهولة حل مشكلة النظافة والخدمات هذه، لم نشاهد أي توجه للحل. ولا بد أن يتضمن حل هذه المشكلة القديمة ثلاث نقاط أساسية:

- أن يكون ضمن تصريح إنشاء المحطة إلزام صاحبها بمواصفات وشكل معين وكمٍّ من الخدمات معتمد لدى وزارة النقل، ولا يسمح بتشغيل المحطة قبل أن تطبق كل المتطلبات.

- أن يكون ضمن العمالة في المحطة إمام مسجد ومؤذن وعمال نظافة بالعدد الذي يستدعيه حجم المحطة وموقعها. يحدد كذلك شكل ومكونات المساجد ودورات المياه، وتكون خاضعة للرقابة المستمرة بما لا يقل عن مرة كل أسبوع من قبل مراقبي الوزارة.

- يجب أن تفرض غرامات ملائمة على كل من يخالف الشكل والمضمون وعدد العمالة ومستوى النظافة المطلوب، تبدأ بالإغلاق ولا تنتهي به. هذا يستدعي تكوين قسم متخصص لمراقبة الخدمات على الطرق السريعة في الإدارات العامة للطرق، يكون مسؤولاً عن متابعة المواقع وتسجيل المخالفات وفرض الغرامات.

يمكن أن تبدأ الوزارة بتطبيق هذا التنظيم على استراحات شركة ''ساسكو'' ومن ثم يتم التطبيق على البقية. على أن تعمل الوزارة على مراقبة الالتزام وتسلم شكاوى المواطنين من خلال هاتفها المجاني الذي لا يجيب عليه أحد حالياً.

نقلاً عن صحيفة " الاقتصادية"