العبودية والاستعباد

كتبت هذا المقال بعد أن سمعت قبل أيام (في محطة الCNN) عن ظهور قائمة جديدة للدول الأكثر استعباداً للبشر..

لم يصدق من حولي بوجود هذه الظاهرة حتى الآن؛ ولكن الحقيقة هي أنها ليست فقط موجودة (بشكلها القديم) بل وتملك وجوهاً وأقنعة كثيرة ترفع ضحاياها إلى الملايين..

فالعمل القسري، وحجز الأجور، واستغلال الفقراء، وتشغيل الأطفال، والمتاجرة بالنساء، وشراء القاصرات من العائلات الفقيرة.. جميعها أشكال جديدة من الاستعباد والعبودية المقنعة..

في الماضي كان الإنسان يُستعبد عن طريق الوراثة أو الأسر أو السبي، ولكن الوضع هذه الأيام يتخذ أشكالاً عديدة قد تختلف من دولة لأخرى (ولكنها تشترك في النهاية في استغلال إنسان ضعيف ومغلوب على أمره).. ففي موريتانيا مثلا ماتزال العبودية موجودة بشكلها التقليدي والوراثي، ولكنها في روسيا ومولدوفيا تتخذ شكل الاستغلال الجنسي لنساء مهاجرات أو مغلوبات على أمرهن.. أما العبودية في تايلند والفيليبين فتعتمد على بيع القاصرات على تجار الجنس أو إجبار الفتاة على العمل لهذا الغرض في المدن الكبرى.. أما في الباكستان فتتخذ العبودية شكلاً يتم فيه استغلال الأطفال للعمل دون أجر لتسديد ديون عائلاتهم.. أما في الهند فما تزال طبقة المنبوذين تعاني من الاحتقار وهضم الحقوق - ويتم استغلالها أحيانا مقابل الطعام أو العيش في الحقل أو احتجاز أحد أفراد العائلة !!

وحسب تقرير العبودية الجديد(الذي بدأت به المقال وصدر من جمعية ووك فري الحقوقية في أستراليا) يعيش أكثر من 30 مليون إنسان في عبودية حقيقية أو مقنعة.. ونصف هؤلاء يوجدون في الهند حيث يوجد 13,9 مليون إنسان يعيشون كعبيد بسبب طبقتهم الاجتماعية أو ظروفهم الاقتصادية - أو ببساطة كونهم مجرد أطفال أيتام أو نساء أرامل.. وبعد الهند تأتي الصين (2,9 مليون) ثم باكستان (2,1 مليون) ثم نيجيريا (701 ألف) ثم أثيوبيا وروسيا وتايلند والكونغو وبورما وبنغلاديش..

أما من حيث نسبة العبيد الى عدد الشعب؛ فتأتي موريتانيا في المركز الأول (بنسبة 4%) ثم هاييتي (بنسبة 2%) ثم باكستان (1,2%) ثم الهند (1,1%) ثم نيبال فملدوفيا فبينين فساحل العاج فغامبيا فالغابون..

والغريب فعلاً أن أكبر عدد من الدول المستعبدة للبشر تأتي من أفريقيا (المُصدر الأكبر للعبيد في القرون الماضية) في حين لا تلاحظ هذه الظاهرة في دول مثل كندا واليابان وأستراليا والبلدان الإسكندنافية!!

.. أما حسب مصادر الأمم المتحدة فيتم الإتجار سنوياً ب120 ألف فتاة في أوربا وأمريكا لأغراض الجنس يتم استقدامهن بوعود عمل مخادعة من أوربا الشرقية وجنوب آسيا والمغرب العربي(ويرتفع العدد على مستوى العالم إلى 800 ألف فتاة يتم تداولهن سنوياً ضمن مايعرف بتجارة الرقيق الأبيض).. أما في الهند فيوجد 44 مليون طفل يعملون بنظام السخرة وتسديد ديون العائلة - وهذا النظام شائع أيضاً في باكستان وبنغلاديش وأفغانستان حين تربط أقدام الأطفال بالسلاسل خشية هربهم.. وفي جنوب شرق آسيا يوجد أكثر من مليوني طفل يتم الإتجار بهم لأغراض الجنس والدعارة - تتجاهلهم الحكومات المعنية خشية التأثير على تدفق السياحة الجنسية.. وفي دول عربية كثيرة يتم استقطاب العمال بأوراق رسمية أو النساء لأغراض الخدمة المنزلية فينتهي بهن الأمر في ظروف احتجاز سيئة أو استغلال جنسي صامت (!!)

أيها السادة:

قد تكون العبودية انتهت بشكلها التقليدي عام 1948(حين أعلنت الأمم المتحدة حظر تجارة الرقيق ومعاقبة أي دولة تجيزها أو تمارسها) ولكن ظاهرة الاستعباد ذاتها لن تنهي دون وعي ثقافي ورفض اجتماعي وجود أنظمة عمل عادلة وشفافة تسري على الجميع!!

نقلاً عن صحيفة " الرياض"