أميركا.. هل فقدت مكامن القوة؟

بحسب التقارير الأميركيّة فإن الأميركيين منقسمون فيما بينهم أكثر من أي وقت مضى، وهم لأول مرة منقسمون بشكل وجودي حول قضايا اجتماعيّة مثل العلاقات بين الأعراق والتعامل مع المهاجرين، وكذلك قضايا ثقافيّة دينيّة مثل مسائل الإجهاض والمثليّة ثم أتت كورونا لتعمق الفجوات وتضع على رأس المشكلات ملف الاقتصاد المنهك أصلا. وحيث قضى الأميركيون ردحا من الزمن وهم يزنون الانقسامات بين التيارين الرئيسيين (المحافظين والليبراليين) حتى يفوز أحدهما (الجمهوري أو الديمقراطي) لتعود الحياة السياسيّة بشكل مقبول ويقنّن كل من الفائز والخاسر تطرفه الانتخابي حتى موسم الانتخابات القادم.

أما عامة الناس فلم يكن همهم الأكبر سوى قضاياهم الداخليّة وعلى رأسها تخفيض الضرائب، وتقليل نسبة البطالة ومن هنا مارس هؤلاء الناس نوعا من الخيارات البراغماتيّة. إذ نجد في العقود الماضية كيف كان الناس يختارون (حكام) ولاياتهم بين من يحمل همّ هذه الملفات ويختارون للانتخابات (الرئاسيّة) العامة الحزب (المرشّح) الأكثر كفاءة في إدارة ملفات الخارجيّة والدفاع وبقاء أميركا قوة عظمى. وكانت القوى الاقتصاديّة ومراكز المال ومعها وسائل الإعلام تملك قوة التأثير على الناخبين لترجيح المصلحة العامة أو بشكل آخر عبر استمالة المترددين المرجحين لاختيار المرشح الصالح للمرحلة داخليا وخارجيا.

وحتى نهاية الثمانينات تقريبا كانت قوة الولايات المتحدة عالميا تتركز في مثلث الاقتصاد ومواجهة الشيوعيّة وسوق الطاقة العالمي. ومن أجل ذلك نشرت أميركا قواتها وقواعدها لحماية الرأسماليّة والنفوذ والمصالح، ولكن المعادلة تغيرت تماما (سياسيا وعسكريا) مع انهيار الاتحاد السوفيتي (1991م) وما تبع ذلك (اقتصاديا) من هروب الشركات الأميركيّة إلى أسواق العمالة الرخيصة في الصين والهند وغيرها. وبهذا انتقلت (التكنولوجيا) ومعها قسم مهم من (رأس المال) إلى المحاضن الجديدة التي نمت وازدهرت خلال ثلاثة عقود لتلتهم الفرص وتجعل من الدول الناشئة الجديدة نقاط جذب سياسي واقتصادي لكثير من الدول وبتكلفة أقل من متطلبات الطوق الأميركي الخشن.

وحتى موضوع ثروة النفط الذي سمحت الرأسماليّة الأميركيّة لأسعاره أن تتصاعد إلى أرقام مخيفة (2008 - 2011) فقد كان ذلك متزامنا مع تزايد الإنتاج الأميركي للنفط ولكن نتائجه الاستراتيجيّة كانت وخيمة فقد ضخت المزيد من الكسل في وريد الكاوبوي الأميركي فلم يعد يحفل كثيرا بما يجري في العالم.

ومن هنا حدث الفراغ والفوضى ممّا أيقظ طموحات بعض القوى القديمة التي كانت قد استسلمت طويلا (مثل فرنسا، ألمانيا، تركيا، إيران) ليمضي كل بطريقته وعلى خطى أسلافه وكأنهم قرؤوا واقع مكامن القوة الأميركية ومآلاتها.

قال ومضى:
لا تروِ قصص البطولة أمام بوابة الهروب فمن هنا لا يخرج الشجعان.

بقلم/  د. فايز الشهري -الرياض